للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان عبيد الله بن سليمان الوزير قد وجه إلى ثعلب فى الاختلاف إلى ولده القاسم، فأبى عليه فقال: تنفذ إلىّ بعض أصحابك [١]، فوجّه إليه بهارون الضرير، فاستحضر عبيد الله بن سليمان، الزّجاج وقال له: أريد أن أصطفى أفضلكما فى العلم، فتساءلا.

فقال الزجاج لهارون: كيف تقول: ضربت زيدا ضربا؟ فقال له: ضربت زيدا ضربا، فقال له: كيف تكنى عن زيد [وعن [٢]] الضرب! فأفحمه ولم يجبه.

وصار فى يده، وانقطع انقطاعا قبيحا، فوجد عبيد الله بغيته، ونال محبته فى ثعلب- وكان عاتبا عليه فى شىء بلغه عنه- وصرف هارون، واحتبس الزجاج مكايدة لثعلب حتى بلّغه أفضل مبالغ النحويين.

وجواب هذه المسألة: «ضربته إياه»، وهذا من أوّل النحو؛ وما كان هارون ليذهب عليه ذلك؛ ولكن إذا أراد الله أمرا فلا مردّ له.

وحضر [٣] هارون الضرير هذا يوما فى أيام الجمعة فى الجامع الغربىّ بمدينة السلام، فأتاه ضرير بصرىّ، فسأله عن مسألة فأجاب عنها على مذهب الكوفيين، فقال له البصرىّ: أخطأت، فضربه بعكّازه فأدماه؛ فاستغاث البصرىّ بالسلطان، فأتى شرطىّ فقبض عليه؛ وصار به إلى مجلس المجاشعىّ صاحب الشرطة- وكان قد استخلف على الشرطة رجلان من العجم- فقال له: ما تقول؟ فقال: كنت [جالسا [٤]] أفتى الناس فى علوم القراءات والنحو واللغة؛ فأتانى ضرير سيّئ الأدب، وسألنى عن مسألة، فأجبته عنها، فتجهّم لى الجواب بالتخطئة، فأدّبته مجازاة له على سوء فعله؛ فبينما أنا على حالى إذ أتانى آت فقال: السلطان يدعوك؛ فقال له العجمىّ: وأنت يا بن الزانية ضربتنى مرة! ودعا له بالدّرة فضربه بها ثلاثين، وحبسه. فلما وقف المجاشعىّ على خبره أطلقه، وأنكر على العجمىّ ما كان فيه.


[١] الخبر فى طبقات الزبيدىّ.
[٢] من طبقات الزبيدىّ.
[٣] الخبر أيضا فى طبقات الزبيدىّ.
[٤] من طبقات الزبيدىّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>