للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد كنت لقرب داره أستفيد من مذاكرته أنواع الفضل، إلى أن انتقلت عن جواره إلى محلّة الجهل، ولزمت جانب المنزل، وأصبحت عن إيناس النّاس بمعزل، ففاتتنى فوائده، وانفردت عنّى فرائده، ولى أعوام ما حظيت منه بنظرة، وذلك لتقدير؛ إذ اللّقاء مقدّر لا لنفرة، ومع هذا فإننى أسمع فوائده من تلاميذه المشتغلين، وألتقط فرائده من أصحابه المقيمين والمنتقلين، فتقوم عندى مقام شخصه وإن غاب، وتنوب عنه في الإفادة وان لم يغن عنه مناب، وهو إلى وقت هذا التأليف متصدر لإفادة [١] ما هو بصدده، يعذب لكلّ قاصد إلى فضله عذب مورده، وينثال عليه أجلّة الأصحاب، مستسقين لفضله استسقاء السحاب.

مولده لثلاث خلون من شهر رمضان سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة، ورحل من حلب في صدر عمره ليدرك ابن الأنبارى [٢] وطبقته، ولمّا وصل إلى الموصل بلغته وفاته، فوقف حيث انتهى وسمع شيئا من الحديث وعاد.

واجتمع بالكندىّ [٣]- بدمشق عند ما عزم على التصدّر والإقراء، وسأل الكندىّ عن إعراب كلمة [٤] وردت في المقامات، فقال له الكندىّ عند إبهام جوابها عليه: قد علمت قصدك، وأنك أردت إعلامى مكانتك من هذا العلم.

وكتب له خطّه بمدحه والثناء عليه، ووصف تقدّمه في هذا النّوع الأدبى.


[١] فى الأصلين: «للإفادة».
[٢] هو عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله الأنبارى أبو البركات المتوفى سنة ٥٧٧.
[٣] هو زيد بن الحسن بن زيد التاج أبو اليمن الكندى المتوفى سنة ٦١٣.
[٤] حاشية ب: الذى سأل عنه في المقامة العاشرة الرحبية قوله: «فلما لألأ الأفق ذنب السرحان وآن انبلاج الفجر وحان»، وهل الأفق وذنب السرحان مرفوعان أو منصوبان، أم الأفق مرفوع وذنب السرحان منصوب، أو بالعكس؟ والأربعة أوجه جائزة والمختار نصب الأفق ورفع ذنب السرحان.
وانظر مقامات الحريرى ص ٩٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>