للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في ضبط تجائره، وكان عسكر هذا لا يحسن الخطّ، ولا يعلم شيئا غير التجارة، وقد سكن بغداد وقطنها، وتزوّج بها إحدى بنات رئيس من الرؤساء، وولد أولادا، هم موجودون الآن ببغداد.

ولمّا كبر ياقوت هذا، قرأ شيئا يسيرا من النّحو واللغة، وشغله مولاه بالأسفار في متاجره، فكان يتكرّر إلى كيش [١] والشّام، ثم جرت بينهما نبوة اقتضتها الحال، فعتقه وأبعده عنه [٢]، فاشتغل بالنّسخ بالأجرة، وحصّل بالمطالعة فوائد اقتضاها فهمه، على عسر كان في فهمه، ومكابرة كانت في خلقه. ثم إنّ سيّده بعد مدّة مديدة ألوى عليه [٣]، وسفّره إلى كيش، ولمّا عاد كان سيّده قد مات فحصّل شيئا مما كان في يده، وأعطى أولاد مولاه وزوجته شيئا راضاهم عليه، وجعل مما حصّل له رأس مال كان يسافر به إلى الشام، وربّما جعل بعض تجارته كتبا، وكان ذلك سبب اجتماعى به، فإنّه قصدنى بالكتب إلى حلب لمّا شاع غرامى بها بين المتّجرين فيها، فكان اجتماعى به في شهور سنة تسع وستمائة، أحضره لى أبو علىّ القيلوىّ [٤] بحلب، ورأيت ما جلبه من الكتب على قلّتها، فلم يكن فيها ما أرغب إليه سوى كتابين ابتعتهما منه. وتأمّلته في منظره ومخبره، فتوسّمت


[١] كيش، ويقال له قيس أيضا: جزيرة في وسط بحر عمان؛ قال ياقوت: «رأيتها مرارا، ورأيت فيها جماعة من أهل الأدب والفقه والفضل».
[٢] قال ابن خلكان: «وذلك في سنة ست وتسعين وخمسمائة».
[٣] ألوى عليه: عطف.
[٤] في معجم البلدان: «قيلويه، بكسر أوله وسكون ثانيه ولام مضمومة واو ساكنة: قرية من مطير اباذ قرب النيل؛ إليها ينسب أبو على الحسن بن محمد بن إسماعيل القيلوى».

<<  <  ج: ص:  >  >>