للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبدال، شواهد مناقبهم باهرة، ودلائل مجدهم ظاهرة. ومن العجب العجاب، أن سلطانهم المالك، هان عليه ترك تلك الممالك، وقال لنفسه اله [١] وآلك، وإلا فأنت في الهوالك، وأجفل إجفال الرّال [٢]، وطفق إذا رأى غير شىء ظنه رجلا بل رجال، (كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ* وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ* وَنَعْمَةٍ كانُوا فِيها فاكِهِينَ)

[٣]. لكنّه جلّ وعزّ لم يورّثها قوما آخرين، تنزيها لأولئك الأبرار عن مقام المجرمين؛ بل ابتلاهم فوجدهم شاكرين، وبلاهم فألفاهم صابرين، فألحقهم بالشّهداء الأبرار، ورفعهم إلى درجات المصطفّين الأخيار، (وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)

[٤]، فجاس خلال تلك الدّيار- أهل الكفر والإلحاد، وتحكّم في تلك الأبشار أولو الزّيغ والعناد، فأصبحت تلك القصور، كالمحوّ [٥] من السّطور، واضت [٦] تلك الأوطان، مأوى الصّدى [٧] والغربان، تتجاوب في نواحيها البوم، وتتناوح في أرجائها الريح السّموم، يستوحش فيها الأنيس، ويرثى لمصابها إبليس

كأن لم يكن فيها أوانس كالدّمى ... وأقيال ملك في بسالتهم أسد

فمن حاتم في جوده وابن مامة ... ومن أحنف إن عدّ حلم، ومن سعد!

تداعى بهم صرف الزمان فأصبحوا ... لنا عبرة تدمى الحشا ولمن بعد


[١] كذا في ابن خلكان، وفي الأصلين: «الهوالك».
[٢] الرّال: ولد النعام.
[٣] سورة الدخان ٢٥ - ٢٧.
[٤] سورة البقرة ٢١٦.
[٥] كذا في ب وابن خلكان والأصل: «كالمهجور».
[٦] ب: «وأصبحت»، وفي ابن خلكان: «فأصبحت».
[٧] ابن خلكان: «الأصداء».

<<  <  ج: ص:  >  >>