بأن أكون السّكيت «١»، فلا تنسبّنى فى ذلك إلى تقصير، وكيف ولسانى فى الّلسن غير ألكن وبنانى فى البيان غير قصير! ولقد أعددت للرياسة أسبابها، ولبست لكفاح أهلها جلبابها، وملكت من موادّها نصابها، وضاربت أضرابها، وباريتهم فى ميدان الفضائل، فكنت السابق وكانوا الفساكل «٢». وظننت أنى قد حللت من الدولة أمكن مكانها، وأصبحت إنسان عينها وعين إنسانها، إذا الظنون مخلفة، وشفار العيون إلى الأعداء مرهفة، والفرقة المظنونة بالإنصاف غير منصفة، وصار ما اعتقدته من أسباب التقريب مبعدا، ومن اعتقدته لى مساعدا غدا علىّ مسعدا «٣»، ومن أعددته لمرادى موردا أصبح لمثالبى موردا. وجست مقاصد المراشد فوجدتها بهم مقفلة، ومتى أظهرت فضيلة اعتمدوا فيها تعطيل المشبهة وشبه المعطّلة «٤»».
«وإذا ركبت أشهب النهار لنيل مرام، ركبوا أدهم الليل لنقض ذلك الإبرام، وإن سمعوا منى قولا أذاعوا، وإن لم يسمعوا اختلقوا من الكذب ما استطاعوا. وقد صرت كالمقيم وسط أفاع لا يأمن لسعها، وكالمجاور لنار يتّقى شرها ويستكفى لذعها. والله المسئول توسيع الأمور إذا ضاقت مسالكها، وهو المرجوّ لإصلاح قلوب الملوك على مماليكهم؛ إذ هو رب الملكة ومالكها. وهأنا جاثم جثوم الليث فى عرينه، وكامن كمون الكمىّ فى كمينه. وأعظم كانت النار لهبا إذا قلّ دخانها، وأشدّ ما كانت السفن جريا إذا سكن سكّانها «٥» والجياد تراض ليوم السباق، والسهام تكنّ فى كائنها لإصابة الأحداق، والسيوف لا تنتضى من الأغماد إلا ساعة الجلاد، واللآلئ لا تظهر من الأسفاط «٦» إلا للتعليق