للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا الصاحب بن عبّاد ممّن اشتركت الألسن فى وصفه، وسلّم إليه أهل البلاغة ما عاناه من نثره ونظمه، وحسن ترتيبه ورصفه، وأطال مؤرّخو أخبار الوزراء فى ذكره، وشرحوا ما شرحوه من مستحسن أمره، ورزق من السعادة ما لازمه إلى رمسه، وما لقى يوما من الأيام إلا وكان فيه أجلّ من أمسه. وقيل: إن كلّ من مات نقصت حرمته لعدم ما يرجى منه إلا ابن عبّاد؛ فإنّه لمّا أخرج تابوته للصلاة عليه خرّ الدّيلم سجودا له.

وكان ممّن قنا «١» العلوم وأكثر منها، حتى حكى أبو الحسين محمد بن الحسين الفارسىّ النحوىّ قال: سمعت الصاحب يقول: أنفذ إلىّ أبو العباس تاش الحاجب رقعة فى السّر بخط صاحبه نوح بن منصور ملك خراسان يريدنى فيها على الانحياز إلى حضرته، ليلقى إلىّ مقاليد ملكه، ويعتمدنى لوزارته، ويحكّمنى فى ثمرات بلاده. قال: وكان مما اعتذرت به من تركى امتثال أمره ذكر طول ذيلى، وكثرة حاشيتى، وحاجتى لنقل كتبى خاصة إلى أربعمائة جمل، فما الظنّ بما يليق بها من تحمّلى.

مات- رحمه الله- ليلة الجمعة الرابع والعشرين من صفر سنة خمس وثمانين وثلاثمائة بالرّىّ وحمل إلى أصبهان، ودفن فى قبة بمحلة تعرف بباب دريه. قال لى ابن البندارى الأصبهانىّ نزيل دمشق: هى عامرة معروفة إلى الآن، والعلويّون من ولد «٢» بنته يبتاعون لها فى الوقت بعد الوقت كلسا «٣» أصبهانيا يبيّضونها به.

<<  <  ج: ص:  >  >>