للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وله كتب كثيرة أملاها فى اللغة والعربية والغريب، وله كتاب فى العروض يفضّله أهل العلم على سائر الكتب المؤلّفة فيه، لما بيّن [فيه] «١» وقرّب. وعليه قرأ الناس المشروحات، وإليه كانت الرحلة من جميع إفريقية والمغرب، وكان يجلس مع حمدون فى مكتبه، فربما استعار من بعض الصبيان كتابا فيه شعر أو غريب أو شىء من أخبار العرب فيقتضيه صاحبه إياه، فإذ ألحّ عليه أعلم أبا محمد المكفوف بذلك فيقول: اقرأه علىّ، فإذا فعل قال: أعده ثانية، ثم يقول: ردّه على صاحبه، ومتى شئت تعال حتى أمليه عليك.

وقيل: أبطأ عنه أبو القاسم بن عثمان الوزان النحوىّ أياما كثيرة ثم أتاه، فلامه على تخلّفه عنه، فقال له أبو القاسم: نحن كنا سبب ما أنت فيه من العلم، وقد علمت كيف كنت أخصّك وأوثرك على غيرك، فلما صرت إلى هذه الحال قطعتنا عنك. فقال له: أصلحك الله! أعذر، فقد كان لى شغل، قال:

وما هو؟ قال: لى اليوم أكثر من شهر أختلف إلى رقّادة «٢» إلى دار فلان- وذكر بعض السلاطين- أشكل له كتبا وأصححها، فقال: سررتنى والله، قال: بماذا سررتك؟ قال: بما يكون من برّه ومكافأته على اختلافك إليه وتصحيحك لكتبه.

فضحك وقال: والله ما هو إلا أنّه أكترى دابة إذا مررت وإذا رجعت من مالى.

فعجب من ذلك، وقال: تدرى كم وصل إلىّ من ابن الصائغ صاحب البريد؟ قال: لا. قال: نحو خمسمائة دينار، سوى الخلع وقضاء الحاجات والبرّ والإكرام؛ وما كان يسألنى عن شىء إلا أنه إذا كان يوم الجمعة بعث فى طلبى ابنه ودابته وأحضر مائدته.

<<  <  ج: ص:  >  >>