وقال حمدون النحوىّ الملقب بالنعجة «١»: كنا عند المهرىّ يوما، فقال: اخرجوا بنا إلى مأجل «٢» مهريّة نتفرّج، وكانت داره بالقرب من سوق الأحد، فخرجنا فجلسنا حوله؛ إلى أن مرّ بنا نحو عشرين بغلا أو أكثر، ومعها رجل راكب؛ فلما رأى المهرىّ عدل إليه ونزل، ثم قال: يقرأ مولاى عليك السلام، وقد وجّه إليك بهذه الدوابّ وهى محمّلة طعاما وعسلا وخلّا وزيتا، وبهذه العشرين دينارا.
فقبضها منه تكرّها؛ ثم دمع وقال: ذهب الناس! (إنّا لله وإنّا إليه راجعون)! أبو علىّ ابن حميد يوجّه إلىّ بهذا! قال حمدون: فقلت له احمد الله واشكره، فإنّ هذا كثير.
قال: فنظر إلىّ وهو مغضب، ثم قال: هو كثير لك ولأمثالك، فأمّا لى فلا! وقال أبو عبد الله الدارونىّ: مرّ المهرىّ بناحية القيسارية عند الصيارفة، فقام إليه فنى كان يختلف إليه، ويستمع منه، فقال له: إلى أين أصلحك الله يا أبا الوليد؟
قال: إلى سوق الطعام، أشترى بهذين الدينارين قمحا. فمدّ الفتى يده إلى صرّة.
وكانت فى كمة، فدفعها إليه وقال: استعن بها- أصلحك الله- على شرائك القمح.
فأخذها ثم مضى غير بعيد، وهو يظن أنها دراهم، ففتحها فإذا فيها خمسون دينارا، فانصرف إليه، فلما رآه الرجل تلقاه، فأخرج المهرىّ الصرّة وقال: أخاف أن تكون قد غلطت؛ إنها دنانير، فقال: ما غلطت- أصلحك الله- وإنى لمحتشم من التقصير.
وقال الدارونىّ: مشيت يوما مع أبى الوليد المهرىّ، إلى أن مررنا بالجزارين، فقام إليه رجل منهم، فقال: يا أبا الوليد، أضررت بى؛ لأن بضاعتى كلّها عندك، ولا بدّ من قبض مالى قبلك، فاعتذر إليه وسأله الصبر فأبى. فمرّ بنا رجل فقال: كم لك على الشيخ؟ فقال: عشرة دنانير، فقال: هى علىّ، مرّ حتّى