ابن مقلة «١»، ويراعيه أبو على ويبرّه، فشكا إليه فى بعض الأيام ما هو فيه من شدّة الفاقة، وزيادة الإضاقة، وسأله أن يكلّم أبا الحسن على بن عيسى- وهو يومئذ وزير- فى أمره، ويسأله إقرار رزق عليه فى جملة من يرتزق من أمثاله، فخاطبه أبو علىّ فى ذلك، وعرّفه اختلال حاله، وتعذّر القوت عليه فى أكثر أيامه، وسأله أن يجرى عليه رزقا برسم الفقهاء. فانتهره علىّ بن عيسى انتهارا شديدا، وأجابه جوابا غليظا- وكان ذلك فى مجلس حافل ومجمع كامل- فشقّ على أبى علىّ ما عامله [به]، وقام من مجلسه، وقد اسودّت الدنيا فى عينه، وصار إلى منزله لائما نفسه على سؤاله علىّ بن عيسى ما سأله، وحلف أن يتجرّد فى السعى عليه. ووقّف الأخفش على الصّورة، فاغتم بها، وانتهت به الحال إلى أكل السّلجم «٢» النّىء. فقيل إنه قبض على فؤاده: قلبه، فمات فجأة- رحمه الله- وكان موته فى شعبان سنة خمس عشرة وثلاثمائة».
وذكره المرزبانىّ فقال:«لم يكن بالمتّسع فى الرواية للأخبار والعلم بالنحو وما علمته صنّف «٣» شيئا البتة، ولا قال شعرا. وكان إذا سئل عن مسئلة فى النحو ضجر وانتهر من يواصل مساءلته. وشاهدته يوما وصار إليه رجل من أهل حلوان كان يكرمه، فحين رآه قال له:
حيّاك ربك أيها الحلوانى ... وكفاك ما يأتى من الأزمان
ثم التفت إلينا، وما يحسن من الشعر إلا هذا وما جرى مجراه.
ودفع كتابا له إلى بعض من فى مجلسه عليه اسمه، فقال له: أبو الحسن خفش خفش.