برهة من عمره يتردّد إلى الزبدانى للتعليم. ولما ملك العزيز مصر انتقل إليها، ورتب له صلاح الدين على جامعها كل شهر جاريا لإقراء النحو. رأيته بمصر وهو يفيد الطلبة علمى النحو والعروض؛ فإنه كان بهما قيّما، ولم أسمع أحدا يذكر صيانته.
وكان متّهم الخلوة؛ لا يردّه ملام عن رشف المدام، ولا يسمع الكلام فى ذمّ الغلام. ولم يزل عزبا قذر الهيئة، خشن الملبوس، مبدّد الأطراف، فى تصرفه ما يدل على نقص مروءته. وكان شريف النفس فى أمر واحد، وهو قلة الاكتراث بأهل المناصب، وترك السعى إليهم. وبلغنى أنه كان حلو المحاضرة مفيد المخاطبة والمناظرة. وله شعر مذكور مشهور، منه قوله:
حكّمته ظالما فى مهجتى فسطا ... وكان ذلك جهلا شبته بخطا
هلّا تجنبته والظلم شيمته ... ولا أسام به خسفا ولا شططا
ويلاه من تائه أفعاله صلف ... ملوّن كلما أرضيته سخطا
أبثّه ولهى صدقا ويكذبنى ... وعدا وأقسط عدلا كلما قسطا
واختصر كتاب الأغانى اختصارا جميلا أحسن فيه. «١» ومات فى حدود سنة ستمائة بالقاهرة المعزية «٢».