قصر عليه حفدة وخدّام وحوله أكثر متأدّبى بغداذ، فسلّمت وجلست حيث انتهى بى المجلس، وأنا فى هيئة السّفر، فلما كاد المجلس ينقضى قال: من الرجل؟ قلت:
باغى أدب، قال: أتروى من شعر أبى المخشى «١» الذى قاله عندكم؟ قلت: نعم، قال: أنشدنى، فأنشدته:«كنت الذرى إلى الذرى»«٢» قال: هذا الذى طلبته الشعراء فأضلّته. ثم قال: أنشدنى لأبى الأجرب، «٣» فأنشدته، ثم قال أنشدنى لبكر الكنانىّ فأنشدته، ثم قال: شاعر البلد اليوم عباس بن ناصح؟ قلت: نعم، قال: أنشدنى له، فأنشدته:
فأدت القريض ومن ذا فأد
فقال لى: عبّاس! قلت: نعم، فنهض إلىّ فتلقيته، فعانقنى وضمّنى إلى نفسه، وانحرف لى عن مجلسه، فقال له من حضر المجلس: من أين عرفته أصلحك الله فى قسم بيت؟ قال: إنى رأيته عند إنشاده لغيره، فرأيته لا يبالى ما حدث من استحسان واستقباح، فلما أنشدنى لنفسه استبنت عليه وجمة، فقلت إنه صاحب