وكان وطئ العبارة، حسن الغوص، جميل التصنيف، اعتنى بكتاب شيخه أبى علىّ، وهو الكتاب المسمى بالعضدىّ «١»، وهو: الإيضاح، والتكملة، وشرحه شرحا كافيا شافيا، أتى فيه بغرائب من أصول هذه الصّناعة، وحقّق أماكن؛ حتى يقال: إنه شرح كتاب أبى علىّ بكلام أبى علىّ؛ لكثرة اطّلاعه على كتبه وفوائده. وإذا أنصف المنصف، وأجمل النظر، واطّرح الهوى رأى أن كلّ من تعرّض لشرح هذا الكتاب إنما اقتدى بالعبدىّ وأخذ منه، وإن غيّر الألفاظ فيما خرج عن القصد الذى قصده.
وكنت قد سألت عالمين بهذا الشأن عن كتاب العبدىّ وكتاب الجرجانىّ «٢» فى شرح الإيضاح، فسكتا مليّا وقال أحدهما: قد سمّى الجرجانىّ كتابه المقتصد، وهو كما سمّاه؛ فإنّ فوائده مختصرة. وقال الآخر: أحسن العبدىّ فى الكلام على العوامل، وقصّر فيها الجرجانىّ، وأحسنا فى التصريف، وكلام الجرجانىّ أبلغ وأبسط.
وكان العبدىّ رحمه الله قد أدركه خمول الأدب، ولم يحصل [له] من السمعة ما حصل لابن جنّى والرّبعىّ. وكان كثير الشكوى لكساد سوقه وسوق الأدب فى زمانه.
قال العبدىّ: وعهدى بنفسى حاضرا مجلس هذا الشيخ- يعنى أبا علىّ- وهناك من يقرأ كتاب سيبويه، دون غيره من المتوسّطات ثلاثون رجلا وأكثر؛ ما فيهم إلا من يطلق عليه اسم العامل، ثم ما يحسنونه من اللغة والشعر غير