للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال ثعلب: حضرت مجلس ابن حبيب فلم يملّ، فقلت: ويحك! أملّ، مالك! فلم يفعل؛ حتى قمت. وكان والله حافظا صدوقا، وكان يعقوب أعلم منه، وكان هو أحفظ للأنساب والأخبار منه، وكان بغداذيا.

وقال أبو سعيد السّكّرى: توفى محمد بن حبيب يوم الخميس لسبع بقين من ذى الحجة سنة خمس وأربعين ومائتين بسرّ من رأى.

وقال ثعلب: بلغنى أن محمد بن حبيب يملى شعر حسان بن ثابت فأتيته، ولما عرف موضعى قطع الإملاء، فانصرفت وعدت إليه، فترفقت به، فأملى.

وكان لا يقعد فى المسجد الجامع، فعذلته على ذلك، ولم أزل به حتى قعد فى جمعة من الجمع، واجتمع الناس، فسأله سائل عن هذه الأبيات [١]:

أزحنة عنى تطردين تبددت ... بلحمك طير طرن كلّ مطير [٢]

قفى لا تزلّى زلة ليس بعدها ... جبور وزلّات النساء كثير

فإنى وإياه كرجلى نعامة ... على كلّ حال من غنى وفقير [٣]

ففسّر ما فيه من اللغة. فقيل له: كيف تقول: «من غنى وفقير». وكان يجب أن تقول: «من غنى وفقر»؟ فاضطرب. فقلت للسائل: هذا غريبة، وأنا أنوب عنه، وبيّنت العلة [٤] وانصرف، ثم لم يعد للقعود بعد ذلك، وانقطعت عنه [٥].


[١] الأبيات فى المضاف والمنسوب ٣٥٢، مع تقديم البيت الأوّل على الثانى؛ منسوبة إلى بعض الأعراب يخاطب امرأته؛ وهى أيضا فى طبقات الزبيدى ومعجم الأدباء ومجالس العلماء.
[٢] زحنة: اسم أخى الشاعر، وكانت امرأته تجفوه وتطرده.
[٣] أخبر أنه وأخاه كرجلى نعامة؛ إن أصاب أحدهما شىء بطلت الأخرى؛ ورجلا النعامة يضرب بهما المثل للاثنين، لا يستغنى أحدهما عن الآخر بحال. قال الجاحظ: «كل ذى أربع إذا اندقت إحدى قائمتيه ظلع وتحامل ومشى، وإذا استكره نفسه واحتاج أن يستعين بالصحيحة فعل، إلا النعامة فإنها متى انكسرت إحدى رجليها عمدت إلى السقوط». وانظر الحيوان (٥: ٢١٨)، وطبقات الزبيدى ص ٩٨، ومعجم الأدباء (١٨: ١١٥).
[٤] قال الزبيدى فى شرح العلة: «والأسماء ترد على المصادر والمصادر على الأسماء؛ لأن المصادر إنما ظهرت لظهور الأسماء وتمكن الإعراب فيها».
[٥] الخبر فى مجالس العلماء ص ٥٥ - ٥٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>