للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الحسين بن فهم [١]: قدم علينا محمد بن سلّام سنة اثنتين وعشرين ومائتين، فاعتلّ علة شديدة فما تخلّف عنه أحد، وأهدى إليه الأجلّاء أطباءهم. وكان ابن ماسويه ممن أهدى إليه؛ فلما جسّه ونظر إليه قال له: ما أرى العلة كما أرى من الجزع، فقال له: والله ماذا بحرص على الدنيا مع اثنتين وثمانين سنة؛ ولكن الإنسان فى غفلة حتى يوقظ بعلّة، ولو وقفت بعرفات وقفة، وزرت قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم زورة؛ وقضيت أشياء فى نفسى لرأيت ما اشتدّ علىّ من هذا قد سهل. فقال له ابن ماسويه: لا تجزع فقد رأيت فى عرقك من الحرارة الغزيرة وقوتها ما إن سلّمك الله من العوارض بلّغك عشر سنين أخرى.

قال الحسين بن فهم: فوافق كلامه قدرا. فعاش محمد عشر سنين بعد ذلك ومات سنة اثنتين وثلاثين ومائتين.

قال الفضل بن الحباب أبو خليفة القاضى: ابيضّت لحية محمد بن سلّام ورأسه وله سبع وعشرون سنة. قال: وسمعته يقول: أفنيت ثلاثة أهلين؛ تزوّجت وأطفلت فماتوا، ثم فعلت مثل ذلك فماتوا، ثم فعلت الثالثة فماتوا؛ وهأنا فى الرابعة ولى أولاد. وكان أبو خليفة إذا حدّث بهذا الحديث أنشد بعقبه شعرا للنابغة الجعدىّ [٢]:


[١] هو الحسين بن فهم، صاحب محمد بن سعد. ذكره ابن حجر فى لسان الميزان (٢: ٣٠٨) وقال: «سمع محمد بن سلام الجمحى ويحيى بن معين وخلف بن هشام وطائفة. وقال ابن كامل: كان يحسن المجلس مفتنا فى العلوم حافظا للحديث والأخبار والأنساب والشعر عارفا بالرجال متوسطا فى الفقه.
توفى سنة ٢٨٩». وانظر تاريخ بغداد (٨: ٩٣).
[٢] من قصيدة ذكرها ابن قتيبة فى الشعر والشعراء ص ٢٥٤ - ٢٥٥، وقبله:
لبست أناسا فأفنيتهم ... وأفنيت بعد أناس أناسا

<<  <  ج: ص:  >  >>