للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان عالما بالعربية وأيام الناس والشعر. وروى عن الأئمة الأثبات فى وقته.

وروى عنه الجمّ الغفير. وكان متواضعا، رآه بعض الناس وهو يحمل بطن شاة بيده، فقال له: أنا أحملها عنك، فأنشده:

ما ينقص الكامل من كماله ... ما جرّ من خير إلى عياله

قال إسحاق بن إبراهيم [١]: أتيت إلى محمد بن كناسة لأكتب عنه، فكثر عليه أصحاب الحديث، فتضجر بهم وتجهمهم، فلما انصرفوا عنه دنوت منه، فهش إلىّ واستبشر بى، وبسط من وجهه، فقلت له: عجبت من تفاوت حالتيك، فقال:

أضجرنى هؤلاء بسوء آدابهم، فلما حييتنى أنت انبسطت إليك وأنشدتك. وقد حضرنى فى هذا المعنى بيتان، وهما:

فىّ انقباض وحشمة فإذا ... صادفت أهل الوفاء والكرم

أرسلت نفسى على سجيّتها ... وقلت ما قلت غير محتشم

فقلت: وددت والله أن هذين البيتين لى بنصف ما أملك. فقال: قد وفّر الله عليك مالك، والله ما سمعهما أحد، ولا قلتهما إلا لك الساعة؛ فقلت له:

فكيف لى بعلم ينسى أنهما ليسالى [٢]!.

قال إسحاق: فأذكرت ابن كناسة هذين البيتين بعد، فقال: لكنى أقول اليوم:

ضعفت عن الإخوان حتى جفوتهم ... على غير زهد فى الإخاء ولا الودّ

ولكنّ أيامى تخرّمن قوتى ... فما أبلغ الحاجات إلا على جهدى

وسئل يحيى بن معين عن محمد بن كناسة فقال: ثقة. وقال على بن المدينىّ:

كان ابن كناسة شيخا ثقة صدوقا.


[١] هو إسحاق بن إبراهيم أبو محمد الموصلى. تقدّمت ترجمته للمؤلف فى الجزء الأوّل ص ٢٥٠.
[٢] الخبر فى تاريخ بغداد (٥: ٤٠٦ - ٤٠٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>