الحمد لله الجامع لصفات المجد والكمال، والواهب لمن يشاء من عباده تهذيب الأخلاق والإكمال، والصَّلاة والسَّلام على من فاض من بحار معارفه الدر المنثور من الأقوال والأفعال، وعلى آله الذين حبهم ذخائر العقبى وهم لقوله:{قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}[الشورى: ٢٣] سبب الإنزال، وعلى أصحابه الذين هم معالم التنزيل بلا مقال، وبحميد سعيهم ظهر فتح الباري عن قلوب المعاندين الأقفال، وهم المنهاج لسلسة رفع الأحاديث والإرسال. وبعد:
فإنَّ الله سبحانه شرف هذه الملة بحفظ دينها بأئمة الرجال، ولم يزل تعالى يظهر في كل عصر قومًا يطلعون البدور السافرة بعد أن صارت شمس المعارف من قبل في هيئة الهلال فيهتدي بضوئها الساري كل من له من فتح الودود بعض منال، منهم الإِمام الذي جعله الله تعالى تذكرة الحفاظ للنبلاء فرجح بعلومه ميزان الاعتدال، الحافظ الذي كان إيجاده إحياء لعلوم الدين، بعد أن صارت خلاصته من حملة الأطلال من لا يحتاج إلى ما ناله من الإصابة والتقريب والإتقان إلى برهان واستدلال، إذ مصنفاته مصباح الزجاجة للناظرين وقوت المغتذي، ومرقاة الصعود إلى بلوغ الكمال، وهو العلامة فخر الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي لا زال في رضوان ذي الجلال، وألف مؤلفات نفيسة وإن من أنفس ما جمعه "الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير" صلى الله عليه وعلى آله بلا انتهاء ولا زوال. فإنَّه سألني بعض الإخوان من العلماء المزين لعلمه بصالح الأعمال، وقد أخذ عنِّي من الجامع الصَّغير شطرًا صالحًا أن أكتب عليه ما أرجو أن يكون به ميزان الحسنات عند الله راجحًا، فاعتذرت لما أعلمه من نفسي من القصور عن هذا المجال، ثم إنها اتفقت فتراه في الجامع احتيج معها إلى البحث عما لا بد منه في توضيح المقال، وضبط بعض ألفاظه