قلت: ولا يتم إلا بجعل قوله "من ذهب" خبر مقدم وقوله حليتهما وما عطف عليه والجملة برمتها خبر عن جنتان ويكون معنى جنتان حليتهما وآنيتهما وما فيهما من ذهب ويكون الكلام سيق لإفادة الإخبار عن ما فيهما لا لما هما مبنيان منه فيكون غير مراد بهذا الحديث بل بحديث أبي هريرة ومثله قوله: (وجنتان من فضة) لعلهما المرادتان بقوله تعالى: {وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ}[الرحمن: ٦٢]. (حليتهما وآنيتهما وما فيهما) أي حلية من يدخلهما وقوله: (ما بين القوم) أي الداخلين الجنة. (وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه) تقدم البحث في الصفات وأنه يؤمن بها كما هي من غير تفتيش عن كيفيتهما وقوله: (في جنة عدن) متعلق بالقوم أي بين القوم في جنة عدن لا إلى الله تعالى لأنه تعالى لا تحويه الأمكنة قاله عياض، وقال القرطبي: يتعلق بمحذوف في محل الحال من القول أي كائنين في جنة عدن، وقال الهروي: هو ظرف لينظروا بين بهاءان النظر لا يحصل إلا بعد الإذن لهما في الدخول في جنة عدن قوله: (وهذه الأنهار) إشارة إلى ما قد صار معلومًا عند المخاطبين من الكتاب العزيز: {فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ} الآية [محمد: ١٥] فيها أربعة أنهار من الماء والعسل والخمر واللبن وقد عرفت من السنة أيضا كما تقدم. (تشخب) بالمثناة الفوقية فشين معجمة [٢/ ٣٨٢] فخاء معجمة مضمومة فموحدة أي يسيل ويجري. (من جنة عدن ثم تصدع) بفتح المثناة الفوقية وصاد ودال وعين مهملات أي تعرف. (بعد ذلك أنهاراً) أي في الجنان الأربع وفيه أن جنة عدن غير الأربع وقد ثبت ذلك عند أبي الدنيا من حديث أنس (١) مرفوعاً: "خلق الله جنة عدن بيده لبنة من درة بيضاء ولبنة من
(١) انظر الترغيب والترهيب (٤/ ٢٨٣)، وفيض القدير (٣/ ٣١٥)، وتفسير ابن كثير (٣/ ٢٣٩).