للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

رضي بالقسمة، وعلم أنها جارية على وفق الحكمة لم يأسف على ما فاته من حظوظ الدنيا، ولم يحزنه ما ناله أهلها منها فصار أغنى الناس بقلبه، فإن الغنى غنى القلب كما يأتي. قيل:

إِنَّ الغَنِي هُو الغَنِي بِنَفسه ... ولو أَنه عاري المَناكب حافِ (١)

(وأحسن إلى جارك تكن مؤمناً) يأتي حديث أن الجوار أربعون (٢) دارًا، والله قد وصَّى في الجار، والحديث فيه لا يحصى والعقل قاضي بحسن الإحسان إليه، فقد تطابق العقل والشرع على ذلك، وقد استوفى الغزالي في الإحياء (٣) حقوق الجار، وقد كانت الجاهلية تعرف ذلك كما قال الحماسي:

وَاعرِف لجارِكَ حَقَّه ... والحقُّ يَعرِفُهُ الكَريمُ (٤)

وفيه أن من لم يحسن إلى الجار لا يتصف بالإيمان فكيف من يؤذيه.

(وأحبّ للناس) المؤمنين أو ذلهم وأرتض لهم ما تريده، وترتضيه لنفسك من أمور الدنيا والآخرة (ما تحب لنفسك تكن مسلماً)، والمراد: مثل ما يحبه لنفسه، لا أنه يحب له أن تكون زوجته لغيره وولده ونحوه، ويحتمل أن لفظ الناس على عمومه، وأنه يحب للكافر الإيمان، وللفاجر الطاعة، وفيه أنه لا يتحقق فيه صفة الإِسلام حتى يتصف بهذا، ولما كان الإحسان إلى الجار أرفع رتبة من مجرد المحبة، كان المترتب عليه الاتصاف بكمال الإيمان، ولما كانت المحبة كالجزء منه ناسب أن يرتب عليها الاتصاف بالإِسلام الذي هو كالجزء من الإيمان، إذ الإيمان لا يكون إلا بعد الاستسلام (ولا تكثر الضحك فإن كثرة


(١) البيت منسوب إلى أبي فراس الحمداني.
(٢) أخرجه أبو يعلى (٥٩٨٢) من رواية أبي هريرة وقال الحافظ في التلخيص الحبير (٣/ ٩٢) وفي إسناده عبد السلام بن أبي الجنوب وهو متروك.
(٣) انظر: الإحياء (٢/ ٢١٢).
(٤) البيت منسوب إلى يزيد بن الحكم الثقفي (١٠٥ هـ).

<<  <  ج: ص:  >  >>