(قال الله تعالى: ومن أظلم) لا أحد أظلم. (ممن ذهب) قصد. (يخلق خلقاً) مخلوقاً. (كخلقي) كمخلوقي مشابها له من بعض الوجوه، والمراد لا أظلم في المشبهين من ذلك فلا يرد أن الكافر أظلم، وإذا كانوا في زعمهم يخلقون. (فليخلقوا حبَّة) بفتح المهملة أي قمحة بدليل ذكر الشعير، أو المراد الأعم، وذكر الشعير ذكر لبعض أفراد العام، والأمر للتعجيز فيه وفي قوله:(وليخلقوا ذَرَّةً) بفتح المعجمة [٣/ ١٨٠] وتشديد الراء: غلة صغيرة، ذكر أصغر الحيوانات وأصغر الجمادات. (وليخلقوا شعيرةً) أخذ منه مجاهد حرمة تصوير الجمادات وما لا روح فيه حيث ذكر الشعيرة وهي جماد، وخالفه الجمهور مستدلين بقوله في حديث آخر "أحيوا ما خلقتم".
قلت: وليس بناهض فإنه لا ينافي الصفات على ما لا حياة فيه، قال الشارح: حكي أنه وقع السؤال عن حكمة الترقي من الذرة إلى الحبة إلى الشعيرة فأجاب المتقي الشمني: بديهة بأن صنع الأشياء الدقيقة فيه صعوبة والأمر بمعنى التعجيز فناسب الترقي من الأعلى إلى الأدنى فاستحسنه الحافظ ابن حجر وزاد في إكرام الشيخ واشتهار فضله (١) انتهى.
قلت: بناء على أن الحديث بتقديم الذرة على الحبَّة والشعيرة، وبناء على أن الترقي يجري في الانتقال من الأعلى إلى الأدنى والمعروف منه عكسه، والذي في نسخ الجامع فيما وقفنا عليه تقديم الحبة وتوسيط الذرة على أنه لا ريب في أن خلق الحيوان أصعب الأشياء لما فيه من الباطن والظاهر، وما في كل منهما من عجائب والحواس ولو لم يكن إلا نفخ الروح، فلو أخر الحيوان لكان قد سلك بالحديث مسلك الترقي، فكأنه أراد بالترقي التنزل معهم من أعلى الأشياء إلى
(١) ذكره السخاوي عن شيخه الحافظ ابن حجر في الضوء اللامع (١/ ٣٧٢)، وراجع فيض القدير (٤/ ٦٣٢).