للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

صبره قال في النهاية (١): أراد أن لا يعجز ولا يقصر شكره على ما رزقه الله من الحلال ولا صبره عن ترك الحرام وفي الفتح: الزهد بين كلمتين في القرآن {لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ} [الحديد: ٢٣] فمن لم ييأس على الماضي ولم يفرح بالآتي فقد أخذ الزهد بطرفيه.

قلت: قد فسر الزهد حديث أبي ذر عند الترمذي وابن ماجه: "الزهادة في الدنيا ليست بتحريم الحلال ولا إضاعة المال ولكن الزهادة في الدنيا أن لا تكون بما في يديك أوثق منك بما في يد الله وأن يكون في ثواب المصيبة إذا أنت أصبت بها أرغب منك في ثوابها لو بقيت لك" (يحبك الله) وإنما كان الزهد في الدنيا سببا لمحبة الله لأن الدنيا عنده تعالى غير محبوبة ولا نظر إليها منذ خلقها فمن زهد فيها فقد زهد فيما لا يحبه الله فأحبه الله ولأنها هي التي تلهي العبد عن مولاه وتقطع عليه طريق سيره إلى الله ولأن الغالب أنه لا يزهد في الدنيا إلا من يرغب فيما عند الله (وازهد فيما في أيد الناس يحبك الناس) الزهادة عما في أيديهم يكون بترك التشوق إلى ما في أيديهم والتذلل لما عندهم وعدم الطمع في أموالهم وهذا من أعظم أسباب محبة العباد فإن طبع بني آدم محبة من لم يطمع فيما عندهم ولا يتشوق لأخذه منهم ولأنه بذلك يفارق أبناء جنسه فيعظم عندهم ويحبونه ومن رغب فيما عندهم أبغضوه وملوه ولذا قيل: وأخو الحوائج وجهه مملول .. (٢).

ولمحبة المال قد تغير الصديق على صديقه إذا استرفده مما في يده، كما قيل:

وصاحب كان لي وكنت له ... أشفق من والد على ولد

كنا كساق تسعى بها قدم ... أو كذراع نيطت إلى عضد


(١) النهاية (٢/ ٣٢١).
(٢) أورده البيهقي في الشعب (٣/ ٢٧٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>