ونحوه، هذا بيان وتفسير لحق الحياء (فليحفظ الرأسى وما وعى) والرأس قد وعى السمع والبصر واللسان والأنف وهذه هي حواسيس الخير والشر وهي الحواس فقد أرشد إلى أنه أريد بالرأس وما وعى ذلك فقابلته له بالبطن وما حوى فإنا لو لم ندخل فيه اللسان والأنف والبصر لخرجت عن الأمر بالحفظ وقد علم أنها قد طفحت الأحاديث والآيات بالتوصية بحفظ هذه الحواس وحاش كلام الشارع عن الإهمال لما هو أعظم جوارح العصيان فلا يرد أن الرأس إذا أطلق فإنه لا تشمل الوجه كما في آية الوضوء وذلك حيث يطلق وهنا قد قيد بقوله وما وعى فهم ولا يفعل ذلك للترتيب لرتبه ونحوها وحفظ.
واعلم أن حفظ اللسان أن لا ينطق إلا بخير ولا يحبسها عن ذكر فرض أمر بمعروف أو نهى عن منكر وإرشاد إلى علم وأن لا يلوك بها حراما وحفظ النظر أن لا ينظر إلى ما نهى الشارع عن نظره وأن لا ينظر إلى ما أباحه إلا معتبرا مفكرا في قدرة بارئه وحفظ السمع أن يصونه عما نهى عنه الشارع وأن يصغيه إلى كلام الله ورسوله، وحفظ الأنف أن لا يشم بها ما يحرم شمه وحفظ الجبهة أن لا يسجد بها لغير الله وحفظ الرأس أن لا يخضع بها لغير الله ولا يحلق شعره للمشايخ كعبادة ذوي الجهالات وحجاج المشاهد الذين يحلقون رؤسهم لمشايخهم تعبداً وتواضعاً فإن حلق الرأس من جملة مناسك حج بيت الله ومن حفظه أن لا يخضبه فيما لا يحل من الخضاب ولا يخضب لحيته به وأن يعفيها ويحفي شاربه وغير ذلك فكله داخل تحت حفظ الرأس وما وعى (وليحفظ البطن وما حوى) كلمة جامعة كالأولى فإن البطن قد حوى أشرف مضغة في الإنسان وهي القلب فإنه معدن الخير والشر وهي المضغة التي إن صلحت صلح الجسد كله وإن فسدت فسد وهو مقر الإيمان والكفر والاعتقادات الحقة والباطلة ومحط رحال الوساواس وهو الملك الذي سائر الحواس له كالخدم تخبره بما تراه من