فكتب هو الجواب إلي عن ذلك: يقبل الأرض وينهي ورود المثال الشريف يتضمن تعزي حسن لفظها، وأثر في القلوب وعظها، وتعين تسطيرها في صحائف الأفكار وحفظها، فوقف المملوك على محاسنها وأحاسنها، وشملته من مكامنها بميامنها، وتسلى بما حوت من مفصل الرثاء ومجموعه، وأسال من أجفانه دماً بدل دموعه، فيالها من رزية عظمت فيها المآتم، ومصاب كشفت حجبه السليمانية عن حزن له خاتم، وتحقق المملوك من أثناء أبيات القصيدة النونية بركات ذي النون، ونظر إلى نونها وقد غاص في بحر الفضائل فاستخرج دره المكنون، ولقد كتب المملوك جواب مولانا معترفاً فيه بالتقصير، مغترفاً من منهل فضله الغزير، وهو:
جدّدت في القلب آلاماً وأحزانا ... أسالت الدّمع من جفنيّ طوفانا
فاعجب لجفنٍ يفيض الماء مدمعه ... ومهجةٍ تلتظي بالحزن نيرانا
عزّيتنا في أبينا فاكتسبت به ... أجراً وأوليتنا فضلاً وإحساناً
أكرم به من أبٍ شاعت مناقبه ... في الناس واشتهرت بالجود إعلانا
كم بات في ظلمات الليل منتصباً ... في خدمة الله يقضي الليل يقظانا
كم ختمةٍ قد تلاها في النهار وكم ... أفنى الحنادس تسبيحاً وقرآنا
ولازم الصّوم أوقات الهواجر لا ... يرتدّ عن صومه ديناً وإيماناً
وكان يخشن في دين الإله تقىً ... عند الحفيظة إن ذو لوثةٍ لانا
وكان يخشى ويرجى في ندىً وردىً ... والصّعب من رأيه تلقاه قد هانا
شبنا وأذهلنا عظم المصاب به ... وكلّ صبّ به ذهل بن شيبانا