وكتب طبقة واشتغل في غير ما فن، ولم يزل مواظباً على سماع الحديث، واختلط بشيخنا الحافظ فتح الدين بن سيد الناس وبه تخرج، وعنه أخذ معرفة الناس وأيامهم وطبقاتهم وأسماء الرجال.
وكان آية في معرفة فقه السلف ونقل مذاهبهم وأقوال الصحابة والتابعين، وهذا أجود ما عرفه، مع مشاركة جيدة في العربية والطب والموسيقا.
وكان في النظم متوسط الطبقة وربما تعذر عليه حيناً، لكن له ذوق في الأدب، يفهم لطائف المعاني ويدركها ويهتز للفظ السهل، ويطرب لنكت الشعراء المتأخرين كأبي الحسين الجزار والوراق وابن النقيب وابن دانيال وابن العفيف ومن جرى مجراهم، ويستحضر من مجون ابن حجاج جملة.
وكان يلعب الشطرنج والنرد، وقل أن رأيت مجموعه في أحد.
رأيته غير مرة واجتمعت به كثيراً، وقد شاركته في بعض سماعاته، وسمع بقراءتي على شيخنا الحافظ أبي الفتح كثيراً، ورد علي يوماً بعض الأسماء صحفته أنا ذهولاً مني، ولما فرغنا أنشدته:
يرد علينا ما نقول أميرنا ... لئلا يرانا في النهى دون حدسه
ويختار منا أن نكون كمثله ... ويطلب عند الناس ما عند نفسه
فأعجبه هذا التضمين وطرب له.
وكان فيه بر وإيثار لأهل العلم والفقراء، ويخير مجالسة أهل العلم على مجالسة الأمراء والأتراك، وكان كثير الميل إلى من يهواه، لا يزال متيماً، هائماً، يذوب صبابة