فما كسَوا راحتي من راحها حللاً ... إلا وعرّوا فؤادي الهمَّ واستلبوا
راح بها راحتي في راحتي حصلت ... فتمّ عُجْبي لها وازداد لي العجب
أن ينبع الدر من حلوٍ مذاقته ... والتبر منسبك في الكأس ينسكب
وليست الكيميا في غيرها وُجدت ... وكل ما قيل في أوصافها كذب
قيراط خمرٍ على القنطار من حزن ... يعود في الحال أفراحاً وينقلب
عناصر أربع في الكأس قد جُليَت ... وفوقها الفلك السيّار والشهب
ماءٌ ونار هواء أرضها قدح ... وطوفها فلك والأنجم الحبَب
ما الكأس عندي بأطراف الأنامل بل ... بالخمس تقبض لا يحلو لها الهرب
شَجَجْتُ بالماء منها الرأس موضحةً ... فحين أعقلها بالخمس لا عجب
قلت: لو لم يقل الشيخ صدر الدين من الشعر إلا هذا البيت لكان قد أتى بشيء غريب نهاية في البديع، لقد غاص فيه على المعنى، ودق تخيّله فيه، وهذا شعرُ فقيه.
وما تركت بها الخمس التي وجبت ... وإن رأوا تركها من بعض ما يجب
وإن أقطب وجهي حين تبسم لي ... فعند بسط الموالي يحفظ الأدب
قلت: وهذا البيت أيضاً بديع المعنى دقيقه، وقد اعتذر عن تقطيبه بأحسن عذر، وأوضحه، وقد أشار الى ذلك الشعراء وقبحوا فعله قال ابن أبي الحديد:
بالراح رح فهي المنى ... وعلى جماع الكاس كسْ
لا تلْقَها إلا ببش ... رِكَ، فالقطوب من الدَّنس
ما أنصف الصهباء من ... ضحكت إليه وقد عبس