للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان بالكيمياء مغرى، قد أنفق فيها مالاً ودهراً. وخرج من الدنيا رحمة الله تعالى وهو يرى كفه صفراً.

وكان صحيحاً وده، منحك إخلاصه لا يرده، قل من صحبته فأنصفني مثله في الحضور والغيبة، لا أسمع منه كلمة جفاء، ولا يبلغني عنه غيبة. ولم يزل شملي به مجموعاً، وقولي عنده، كنا أمره عندي مسموعاً. إلى أن استقى على غير ظما. وصافحه في قبره الحور وملائكة السَّما.

وتوفي رحمه الله تعالى بعلة الاستسقاء في شهر ربيع الأول، ثامنه، سنة أربع وأربعين وسبع مئة.

كتب إلي وقد وردت القاهرة سنة ست وثلاثين وسبع مئة:

إليكَ صلاح الدين أُهدي تحيّةً ... كنشرِ عبيرٍ في الجُيوب إذا فُضَّا

ومِن عَجَبي أنّ الديارَ قريبةٌ ... وما فُزتُ منكمْ بالوِداد الذي أرضى

فمِنْ بعدكم قلبي تألَّف بالأسى ... ومِنْ بَعْدكم لم أدْرِ نوماً ولا غَمْضا

وإني على العهد الذي تعهدونه ... مقيماً أرى حفظ الوِداد لكَم فَرْضا

وأقسمَ قلبي لا يقرُّ قرارهُ ... ولا يرعوي حتى يرى بعضنّا بعضا

فكتبتُ أنا الجواب إليه ارتجالاً:

أيا جيرةً قد عُوّدوا والإغْضَا ... وحبُّهُمُ قدْ مازَجَ الروحَ والأعْضَا

وحقّكم ما أهملَ العبدُ خِدمةً ... لكُمْ وَجَبتْ لكنّها بَعْد ذا تُقْضى

أأنسى جَميلاً منكُم قَدْ ألِفتَهُ ... وحُسْنَ وِدادٍ يُشبّه الزَّهرَ الغَضّا

ولُطفاً يحاكي نَسْمَةَ الروضِ سُحْرةً ... فإنّ لها في العاشقِ البَسْطَ والقَبْضا

<<  <  ج: ص:  >  >>