للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أرسلت من بعد الجفا أسطراً ... أرقص منها السمع ما أطربا

شفت فؤاداً شفّه وجده ... من بعدما قد كاد أن يذهبا

قال لها العبد وقد أقبلت ... أهلاً وسهلاً بك يا مرحبا

أحلّها قلباً صحيح الولا ... ما كان في صحبته قلّبا

ولا نسي عهد خليل له ... قديم عهد كان مع طقصبا

وقبل مواقع تلك الأنامل التي يحق لها التقبيل، وقابل بالإقبال تلك الفضائل المخصوصة بالتفضيل، وقابلها بالثناء الذي إذا مر بالمندل الرطب جر عليه من كمائم اللطف وكمه فضل المنديل، وتأملها بطرف ما خلا من تصور محاسن صديق ولا أخل بما يجب من التلفت إلى خليل، وشاهد منه الروضة الغناء، بل الدوحة الفيحاء، بل الطلعة الغراء، فوجدها قد تسربلت من المحاسن البديعة بأحسن سربال، وتحلت من المعاني البديهة بما هو أحلى في عين المحب المهجور وقلبه من طيف الخيال. لكن مولانا غاب عن مملوكه غيبةً ما كانت في الحساب، وهجره وهو من خاطره بالمحل الذي يظنه إذا ناداه بالأشواق أجاب، واتخذ بدعة الإعراض عن القائم بفرض الولاء سنه، واشتغل عمن له عين رضىً عن نسيان ما مضى من كليلة ودمنه، فخشي المملوك من تطاول المده، وخامر قلبه تقلبات الأيام، فخاف أن تبقى أسباب المقاطعة ممتده، ووثق بما يتيقن من حسن الموافاة ويعتقد، فاقتضى حكم التذكار لطف الاقتصار، توصلا إلى تفقد التودد، ومن عادات السادات أن تفتقد بذكر أيام خلت مسرة وهناء، وليال أحلى من سواد الشباب، أولت بوصال الأحباب اليد البيضاء.

<<  <  ج: ص:  >  >>