النكبات المختلفة على المملكة الاسلامية ولا سيما فى غزو التتار لبغداد، ولولا كتاب الفهرست لضاعت أسماؤها وأوصافها أيضا كما ضاعت معالمها والناظر فى كتاب الفهرست يعجب لهذا النشاط العلمى الذى كان فى العصر العباسى وكثرة المؤلفين والمترجمين فى جميع نواحى العلم كما يعجب بسعة اطلاع ابن النديم وحبه للوقوف على كل شئ حتى فى أدق مسائل الاديان المختلفة والمذاهب المتنوعة، يفصل مذهب مانى ومزدك، كما يفصل مذهب أبى حنيفة والشافعى، ويستقصى البحث عن أحوال الصين والهند، كما يستقصى البحث عن الشام والعراق وهو في كل ذلك يقابل أصحاب النحل المختلفة ويسائلهم ويدقق فى أخبارهم ثم يدون ما سمع لذلك كان الكتاب-بحق-مرجع كل باحث من مسلمين ومستشرقين، كان عمدة ابن أبى أصيبعة فى طبقات الاطباء والقفطى فى أخبار الحكماء، وجرجى زيدان فى تاريخ التمدن الاسلامى، والاستاذ «خولسن» فى بحثه عن الصابئة، والاستاذ فلوجل فى بحثه عن «مانى» ولا يزال موردا لا ينضب لكل منقب وباحث وللمؤلف أسلوب فى كتابته غريب قل من احتذاه من المؤلفين، وهو أسلوب اقتصادى يكره اللغو والمقدمات والاطالة فى أداء المعنى ويحب أن يندفع الى صميم الموضوع ابتداء من غير مواربة ولا تمهيد، وخير نموذج لذلك فاتحة كتابه إذ يقول «رب يسر برحمتك» النفوس تشرئب الى النتائج دون المقدمات، وترتاح الى الغرض المقصود دون التطويل فى العبارات، فلذلك اقتصرنا على هذه الكلمات فى صدر كتابنا هذا اذ كانت دالة على ما قصدنا فى تأليفه» ثم يحصر ما يريده من أبواب الكتاب ويأخذ في الكلام في دقة وايجاز حتى لا تستطيع أن تحذف جملة لأن معناها مكرر أو عبارتها مترادفة ثم هو صادق يتحرى الصدق، ويميز بين ما رأى وما لم ير، وينقل كل ذلك