أن آراء الناس فيه قد اختلفت، فطائفة انتصرت، وتعصبت لإشهاره، وطائفة حذرت منه ونفرت، وطائفة لكتبه أحرقت، وكاتبوني أهل المشرق أيضا يسألوني، ولم يتقدم لي قراءة هذا الكتاب سوى نبذة منه، فإن نفس الله في العمر مددت منه الأنفاس، وأزلت عن القلوب الالتباس، اعلموا أن هذا رأيت تلامذته فكل منهم حكى لي نوعا من حاله ما قام مقام العيان، فأنا أقتصر على ذكر حاله، وحال كتابه، وأذكر جملا من مذاهب الموحدين والمتصوفة، وأصحاب الإشارات والفلاسفة، فإن كتابه متردد بين هذه الطوائف. (ثم قال): وأما علم الكلام الذي هو أصل الدين فإنه صنف فيه، وليس بالمتبحر فيها، ولقد فطنت لعدم استبحاره فيها؛ وذلك أنه قرأ علوم الفلسفة قبل استبحاره في علم الأصول فأكسبته الفلسفة جرأة على المعاني، وتسهيلا للهجوم على الحقائق، لأن الفلاسفة تمر مع خواطرها لا ينزعها شرع. وعرفني صاحب له أنه كان له عكوف على رسائل إخوان الصفا، وهي إحدى وخمسون رسالة، ألفها من قد خاض في علم الشرع والنقل وفي الحكمة، فمزج بين العلمين، وقد كان رجل يعرف بابن سينا ملأ الدنيا تصانيف أدته قوته في الفلسفة إلى أن حاول رد أصول العقائد إلى علم الفلسفة، وتلطف جهده حتى تم له ما لم يتم لغيره ١ ورأيت هذا آخر الموجود من الرسالة.
١ هذا قول مقتضب محرف من كلام المازري، وقد استوفاه الأخ السبكي في طبقاته، ورد عليه وعلى الطرطوشي، فأما أبو حامد فقد رد على الفلاسفة ردًّا لم يسبقه مسلم إلى مثله. ورسائل إخوان الصفاء، ويعزوها شيخ الإسلام إلى الباطنية، وقد ألف أبو حامد عدة كتب في الرد عليهم لم يسبقه إلى مثله مسابق، ولم يلحقه لاحق، وليس كل ما في كل هذه الرسائل خطأ، ولا أبو حامد بالبليد الجاهل الذي يقلد صاحب كل كتاب يقرأه، ولماذا لم يذكر عكوفه بعد ذلك على البخاري ومسلم وموته على ذلك؟ فالحق في أبي حامد، والإحياء ما أبينه ملخصا: =