للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأكنة على قلوبهم، والوقر في آذانهم وأنه ختم على قلوبهم وأسماعهم وأبصارهم ١ فلم يعذرهم مع هذا كله، بل حكم بكفرهم، وأمر بقتالهم فقاتلهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وحكم بكفرهم. فهذا يبين لك أن بلوغ الحجة نوعٌ، وفهمها نوعٌ آخر ٢.

وقد سئل شيخنا -رحمه الله تعالى- عن هذه المسألة فأجاب السائل بقوله:

هذا من العجب العجاب، كيف تشكون في هذا، وقد وضحته لكم مرارا؟ فإن الذي لم تقم عليه الحجة هو الحديث العهد بالإسلام، والذي نشأ ببادية بعيدة، أو يكون ذلك في مسألة خفية مثل الصرف والعطف فلا يكفر حتى يعرف.

وأما أصول الدين التي وضحها الله وأحكمها في كتابه، فإن حجة الله هي القرآن، فمن بلغه فقد بلغته الحجة، ولكن أصل الإشكال أنكم لم تفرقوا بين قيام الحجة وفهم الحجة، فإن أكثر الكفار والمنافقين لم يفهموا حجة الله مع قيامها عليهم، كما قال تعالى: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا} ٣. وقيام الحجة وبلوغها نوعٌ وفهمها نوع آخر، وكفرهم الله ببلوغها إياهم مع كونهم لم يفهموها ٢.

وإن أشكل عليكم ذلك، فانظروا قوله -صلى الله عليه وسلم- في الخوارج: "أينما لقيتموهم فاقتلوهم" مع كونهم في عصر الصحابة، ويحقر الإنسان عمل الصحابة معهم، ومع إجماع الناس فإن الذي أخرجهم من الدين هو: التشديد والغلو والاجتهاد، وهم يظنون أنهم يطيعون الله، وقد بلغتهم الحجة، ولكن لم يفهموها ٤.


١ هذه التمثيلات بيان بليغ لاستحواذ الكفر عليهم، وعدم رجوعهم عنه، وهو سبب العقاب لا عينه.
٢ أي فهمها على الوجه المؤثر في حصول الهُدَى لا فهم الخطاب والمعنى اللغوي كما تقدم.
٣ سورة الفرقان آية: ٤٤.
٤ مسألة الخوارج ليست في أصول الدين الاعتقادية؛ بل هي في مسائل عملية، وقد اختلف السلف في عذرهم بالاجتهاد فيها وعدمه، والإمام علي وأصحابه لم يكفروهم، بل قاتلوهم بخروجهم عليهم، وعن أحمد وشيخ الإسلام ابن تيمية يُرجِّحَان عدمَ التكفير.

<<  <  ج: ص:  >  >>