للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذلك قتل علي رضي الله عنه الذين اعتقدوا فيه الإلهية، وتحريقهم بالنار مع كونهم تلاميذ الصحابة، ومع عبادتهم وصلاحهم، وهم أيضا يظنون أنهم على حق.

وكذلك إجماع السلف على تكفير أناس من غلاة القدرية وغيرهم، مع كثرة علمهم وشدة عبادتهم، وكونهم يظنون أنهم يحسنون صنعا، ولم يتوقف أحد من السلف في تكفيرهم؛ لأجل أنهم لم يفهموا، فإن هؤلاء كلهم لم يفهموا. اهـ كلامه -رحمه الله-.

[التفصيل فيمن يحكم بكفره ومن لا يحكم بكفره]

إذا تقرر هذا فنقول: هؤلاء الذين ماتوا قبل ظهور هذه الدعوة الإسلامية، وظاهرُ حالهم الشركُ بالله لا نتعرض لهم، ولا نحكم بكفرهم ولا بإسلامهم، بل نقول: من بلغته هذه الدعوة المحمدية، فإن انقاد لها، ووحَّد الله، وعبده وحده لا شريك له، والتزم شرائع الإسلام، وعمل بما أمره الله به، وتجنَّب ما نهاه عنه: فهذا من المسلمين الموعودين بالجنة في كل زمان، وفي كل مكان.

وأما من كانت حالُه حالَ أهل الجاهلية، لا يعرف التوحيد الذي بعث الله به رسوله يدعو إليه، ولا الشرك الذي بعث الله رسوله ينهى عنه ويقاتل عليه، فهذا لا يقال: إنه مسلم؛ لجهله بل من كان ظاهر عمله: الشرك بالله، فظاهره الكفر فلا يستغفر له، ولا يتصدق عنه، وَنَكِلُ حالَه إلى الله الذي يبلو السرائر، ويعلم ما تُخْفِي الصدور، ولا نقول: فلان مات كافرا؛ لأنا نفرق بين المُعَيَّن وغيره، فلا نحكم على مُعَيَّن بكفر؛ لأنا لا نعلم حقيقة حاله وباطن أمره، بل ذلك إلى الله، ولا نَسُبُّ الأموات؛ بل نقول: أَفْضَوْا إلى ما قَدَّمُوا. وليس هذا من الدين الذي أمرنا الله به، بل الذي أمرنا به أن نعبد الله ولا نشرك به، ونقاتل من نَكَلَ عن ذلك بعد ما ندعوه إلى ما دعاه إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا أصَرَّ وعَانَدَ كَفَّرْنَاه وقاتلناه.

فينبغي للطالب أن يفهم الفرق بين المُعَيَّن وغيره، فنكفر من دان بغير الإسلام جملة، ولا نحكم على معين بالنار، ونلعن الظالمين جملة، ولا نَخُصُّ معيّنًا بلعنة، كما قد ورد في الأحاديث من لعن السارق وشارب الخمر، فنلعن مَن لعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم

<<  <  ج: ص:  >  >>