للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الإمام أحمد: "لا تقلد في دينك أحدا، ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه فَخُذْهُ، ثم التابعين بعدُ: فالرجل فيهم مُخَيَّر" وقال أيضا: "لا تقلدوني ولا تقلدوا مالكا، ولا الثوري ولا الأوزاعي، وخذ من حيث أخذوا".

[لا يحل لمسلم ترك حديث الرسول لقول أحد]

والعجب ممن يسمع هذه الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في النهي عن تعظيم القبور وعقد القباب عليها بالجص والآجر وإسراجها، ولعن من أسرجها ثم يقول: فُعِلَتْ هذه الأمور بحضرة العلماء الكبار ولم ينكروا، كأنه لم يسمع ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك. قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء! أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقولون: قال أبو بكر وعمر؟ ".

وقال الإمام أحمد: عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته يذهبون إلى رأي سفيان، والله -تعالى- يقول: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} ١ أتدري ما الفتنة؟ الفتنة: الشرك، لعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك.

فإذا كان هذا كلام ابن عباس فيمن عارض السنة بقول أبي بكر وعمر، وكلام أحمد فيمن ذهب إلى رأي سفيان فكيف بمن عارض السنة بقول فلان وفلتان، وقد روى البيهقي عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن أشد ما أتخوف على أمتي ثلاث: زلة عالم، وجدال منافق بالقرآن، ودنيا تقطع أعناق الرجال"٢.

ومن المعلوم أن المخوف في زلة العالم تقليده فيها؛ إذ لولا ذلك لم يخف من زلة العالم على غيره. فإذا عرف أنها زلة لم يجز له أن يتبعه فيها باتفاق العلماء، فإنه اتباعٌ للخطأ على عمد. وقال عمر بن الخطاب -رضى الله عنه-: "يُفْسِد الزمانَ ثلاثةٌ: أئمة مُضلون، وجدال منافق بالقرآن -والقرآن حق- وزلة العالم"٣.

فإذا صح، وثبت أن العالم يَزِلُّ ويُخْطِئُ لم يجز لأحد أن يفتي ويدين الله بقولٍ لا يعرف وجهه، فكيف إذا عارض بقوله أو فعله قولَ رسول الله صلى الله عليه وسلم أو فعله؟


١ سورة النور آية: ٦٣.
٢ الدارمي: المقدمة "٦٤٩".
٣ الدارمي: المقدمة "٦٤٩".

<<  <  ج: ص:  >  >>