وينتفع بها المرتهن، وبطلانها معلوم، فلما أرادوا مخارجتهم شرعوا فيه شرائع من تلقاء أنفسهم، وجعلوا الدراهم مناجمة في ستة سنين، أو أكثر، أو يقطعون لصاحب الدراهم قطعة من الأرض المرهونة لا تساوي ثلث ولا ربع المال، وأجبروه على ذلك إلخ.
(فالجواب): أن المفتى به عندنا أن الرهن وثيقة في الدين، يباع عند حلول الدين إذا امتنع الراهن من الوفاء؛ فمتى امتنع الراهن من الوفاء، وطلب المرتهن بيع الرهن بيع، واستوفى من ثمنه، ولم يجز مطله، ولا إجباره على المناجمة، ومن أجبره على المناجمة فهو جاهل، ومن نسب ذلك إلينا فقد غلط، بل لا يجوز ذلك عندنا إلا برضى المرتهن.
[تقبيل أيدي العلماء والصالحين]
(وأما المبحث السابع) إذا قبل الرجل كف غيره، لا للتعبد، ولا لغناه، ولا لدنياه، ولا لشوكته، بل لنحو صلاحه، وعلمه، وزهده، وشرفه، وخصاله المحمودة.
(فالجواب) أنه لم يكن من عادة السلف تقبيل أيدي العلماء والصالحين، بل لم يكن من عادتهم تقبيل يد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أفضل الخلق -صلوات الله وسلامه عليه-.
فمن جعل ذلك عادة فقد خالف ما عليه السلف، وأما من فعل ذلك بعض الأحيان ولم يجعله عادة مستمرة فهذا لا بأس به، بل قد يستحب. وعلى هذا يحمل الحديث المذكور عن ابن عمر أنهم "لما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة مؤتة قالوا: يا رسول الله نحن الفرارون، قال: بل أنتم العكارون أنا لكم فئة. قال: فقبلنا يديه ورجليه"١، وكذلك أبو عبيدة قبل يد عمر، وزيد بن ثابت قبل يد ابن عباس؛ وهذا إنما فعلوه لأمر يوجب ذلك بعض الأحيان، ولم يجعلوه عادة مستمرة، والله سبحانه وتعالى أعلم.
١ الترمذي: الجهاد (١٧١٦) , وأبو داود: الجهاد (٢٦٤٧).