للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من الملائكة الذين معكم الكرام الكاتبين الذين لا يفارقونكم إلا عند إحدى ثلاث: الجنابة، والغائط، والغسل".

والظاهر أنه ليس هنا المفارقة بالكلية بل يبعدون عنه حينئذ نوع بُعْدٍ، وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الظهيرة فرأى رجلا يغتسل بفلاة من الأرض فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: "أما بعد، اتقوا الله وأكرموا الكرام الكاتبين الذين معكم، ليسوا يفارقونكم إلا عند إحدى منزلتين: حيث يكون الرجل على خلائه، أو يكون مع أهله، لأنهم كرام كما سماهم الله، فليستتر أحدكم عند ذلك بجِرْمِ حائطٍ" والله أعلم.

[التاجر المكتسب المتقي أفضل من العابد غير المكتسب]

(مسألة) في خطيب يروي أحاديث، ولم يبين مخرجها، ولا رواتها، ومن جملة ما رواه أنه ذكر حديث: "إن التجار هم الفجار، إلا من قال بيده هكذا وهكذا"١.

(الجواب): ما ذكره في خطبه من الأحاديث من غير أن يبين رواتها، فجائز بشرط أن يكون من أهل المعرفة بالحديث، أو ينقلها من كتاب مؤلفه كذلك. وأما الاعتماد في رواية الأحاديث على مجرد رؤيتها في كتاب ليس مؤلفه من أهل الحديث، أو في خطب ليس مؤلفها كذلك، فلا يحل ذلك؛ ومن فعل ذلك عزر التعزير الشديد. وهذا حال أكثر الخطباء: فإنه بمجرد خطبهم فيها أحاديث حفظوها، وخطبوا بها من غير أن يعرفوا لتلك الأحاديث أصلا، فيجب على حكام البلد أن يزجروا خطباءها عن ذلك، ويجب على حكام بلد هذا الخطيب منعه من ذلك، إن ارتكبه.

وأما ما ذكره من الحديث فصدره صحيح، كما قاله الترمذي، وهو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى المصلى فقال: "يا معشر التجار"٢،


١ أحمد (٣/ ٤٢٨).
٢ الترمذي: البيوع (١٢٠٨) , والنسائي: الأيمان والنذور (٣٧٩٧,٣٧٩٨) , وأبو داود: البيوع (٣٣٢٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>