للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فاستجابوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ورفعوا أعناقهم فقال: "إن التجار يبعثون يوم القيامة فجارا، إلا من اتقى الله وصدق"١، ويروى في رواية صحيحة أيضا: "إن التجار هم الفجار"٢، وقيل: يا رسول الله أليس قد أحل الله البيع؟ قال: "بلى، ولكنهم يُحَدِّثُونَ فيكذبون، ويحلفون، ويأثمون"٣. وأما آخره وهو قوله: "إلا من قال هكذا وهكذا" فلم يرد في شيء من كتب الحديث بعد البحث عنه.

والتجار على قسمين: منهم من يتجنب في بيعه وشرائه وسائر معاملاته جميع المحرمات: كالربا والغش والخديعة والكذب والحلف الباطل؛ وهو مع ذلك يخرج حق الله وحق العباد من نفسه وماله.

فأهل هذا القسم لا يبعثون يوم القيامة فجارا بنص الكتاب والسنة وإجماع الأئمة، بل يبعثون سعداء كما كانوا في الدنيا سعداء؛ بل هم أفضل من الفقراء الصابرين كما قال جماعة، لأنهم يفعلون ما يفعل الفقراء ويزيدون بالزكوات والصدقات؛ وفي هذين من نفع المسلمين ما يربو ثوابه على كثير من الأعمال القاصرة، هذا هو القسم الأول وهم المرادون بقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث: "إلا من اتقى الله وبر وصدق"٤، وهم المرادون بقوله أيضا في الحديث الصحيح: "التاجر الصدوق الأمين يحشر مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين يوم القيامة"٥.

وروى الشيخ أبو نعيم والبيهقي حديث: "من طلب الدنيا حلالا، تعففا عن المسألة، وسعيا على عياله، وتعطفا على جاره، لقي الله ووجهه كالقمر ليلة البدر". وقال لقمان لابنه: استعن بالكسب الحلال عن الفقر، فإنه ما افتقر أحد قط إلا أصابه ثلاث خصال: رقة في دينه، وضعف في عقله، وذهاب لمروءته، وأعظم من هذه الثلاث: استخفاف الناس به.

وسئل بعض التابعين عن التاجر الصدوق: أهو أحب إليك أم المتفرغ


١ الترمذي: البيوع (١٢١٠) , وابن ماجه: التجارات (٢١٤٦) , والدارمي: البيوع (٢٥٣٨).
٢ أحمد (٣/ ٤٢٨).
٣ أحمد (٣/ ٤٢٨).
٤ الترمذي: البيوع (١٢١٠) , وابن ماجه: التجارات (٢١٤٦) , والدارمي: البيوع (٢٥٣٨).
٥ الترمذي: البيوع (١٢٠٩) , والدارمي: البيوع (٢٥٣٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>