للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على جور)، وفي لفظ: (فأشهد على هذا غيري)، وفي لفظ: (سوّ بينهم) متفق عليه. وهو دليل على التحريم؛ لأنه سماه جورا، وأمره برده، وامتنع من الشهادة عليه؛ والجور حرام، والأمر يقتضي الوجوب ولأن تفضيل بعضهم يورث بينهم العداوة والبغضاء وقطيعة الرحم، فمنع منه، كتزويج المرأة على عمتها وخالتها.

وقول أبي بكر لا يعارض قول النبي صلى الله عليه وسلم ولا يحتج به، ويحتمل أن أبا بكر خصها لعجزها عن المكسب والتسبب، مع اختصاصها بفضلها، ولكونها أم المؤمنين، وغير ذلك من خصائصها، ويحتمل أن يكون نحلها، ونحل غيرها من ولده، أو يريد أن ينحل غيرها، فأدركه الموت قبل ذلك، ويتعين حمل حديثه على أحد هذه الوجوه، لأن التفضيل منهي عنه، وأبو بكر لا يفعل المنهي عنه مع علمه بذلك.

وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم: "أشهد على هذا غيري"١ فليس بأمر، وكيف يجوز أن يأمر بتأكيده مع أمره برده وتسميته إياه جورا؟ ولو أمره النبي -صلى الله عليه وسلم- بإشهاد غيره لامتثل أمره، ولم يرده لكن قوله: "أشهد على هذا غيري"٢ تهديد، كقوله تعالى: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} ٣. فأما إن خص بعضهم لمعنى يقتضي تخصيصه من حاجته أو زمان أو عمى أو كثرة عياله، أو لاشتغاله بالعلم، ومنع بعض ولده لفسقه أو بدعته، أو لكونه يعصي الله بما يأخذه ونحوه، فاختار الموفق جواز ذلك، واستدل له بحديث أبي بكر؛ ولأن بعضهم اختص بمعنى يقتضي العطية، فجاز أن يختص بها كما لو اختص بالقرابة، وأجاب عن حديث النعمان بأنه قضية في عين لا عموم لها. وقد روي عن أحمد ما يدل على جواز ذلك، فإنه قال في تخصيص


١ مسلم: الهبات (١٦٢٣) , وأبو داود: البيوع (٣٥٤٢) , وابن ماجه: الأحكام (٢٣٧٥) , وأحمد (٤/ ٢٧٠).
٢ مسلم: الهبات (١٦٢٣) , وأبو داود: البيوع (٣٥٤٢) , وابن ماجه: الأحكام (٢٣٧٥) , وأحمد (٤/ ٢٧٠).
٣ سورة فصلت آية: ٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>