هذه أظهر الآيات التي يستدل بها على إثبات رؤية العباد لربهم ﷾، وهناك أدلة منها قوله تعالى: ﴿لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ﴾ [الأنعام: ١٠٣] والمعطلة يتمسكون بهذه الآية، ويقولون: لا تدركه الأبصار: لا تراه الأبصار، ثم يحرفون الآيات الأخرى، وهذه الآية التي يحتجون بها على نفي الرؤية، هي حجة عليهم؛ لأن الإدراك هو الإحاطة بالشيء، وهو قدر زائد على الرؤية، فمعنى قوله تعالى: ﴿لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ﴾ أي: لا تحيط به الأبصار؛ لكمال عظمته ﷾، ونفي الإحاطة يستلزم إثبات الرؤية من غير إحاطة؛ إذ لو كان لا يرى مطلقًا لما كان لنفي الإحاطة وهو المعنى الخاص فائدة، فنفي الإحاطة يستلزم إثبات الرؤية من غير إحاطة.
فكانت الآية التي يستدل بها المعطلة على نفي الرؤية دليلًا عليهم لا لهم (١).
ولعل الإمام ابن تيمية تعمَّد هذا الترتيب وتحرَّاه، وهو أنه ختم هذه النصوص التي أوردها من القرآن على إثبات صفات الرب، مما يحقق للعباد معرفتهم بربهم، فنحن عرفنا ربنا بأسمائه وصفاته، وذلك بما أنزله في كتابه، وبلَّغه رسوله ﷺ، فيحصل للعباد في هذه الحياة العلم بربهم، لكنه علم من غير إحاطة ﴿وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا (١١٠)﴾ [طه]، ففي الدنيا العباد لا يرونه، ويوم القيامة يرونه، فيجتمع لهم العلم الذي في قلوبهم، والرؤية له تعالى بأبصارهم، فكأن الإمام ابن تيمية في إيراد هذه الآيات في هذا الموضع ينبه إلى أن رؤية العباد لربهم غاية لهم،