للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فيجب إثبات ما دلَّت عليه هذه الآيات بأنه يجيء Object كيف شاء، لا يصلح أن يتخيَّل العباد كيفية مجيء الرب ونزوله Object، ولا نفكر في هذا أبدًا؛ لأنه لا سبيل لعقول العباد إلى أن يتصوَّروا كيفية نزوله، وكيفية مجيئه Object؛ بل ينزل كيف شاء، ويجيء كيف شاء Object؛ فالعقول قاصرة عن تكييف ذاته، وصفاته، بل هي قاصرة عن تكييف بعض المخلوقات، وهي عن تكييف الرب تعالى وصفاته أعجز، وأهل السُّنة والجماعة يثبتون ذلك، ويؤمنون به، ويعلمون أنه تعالى سيأتي يوم القيامة للفصل بين عباده، والحكم بينهم ليجزي العاملين بأعمالهم إن خيرًا فخيرٌ، وإن شرًّا فشرٌّ، في ذلك اليوم الذي هو يوم الدين.

وأما المعطِّلة للصفات من الجهمية، والمعتزلة، ومن تبعهم من نفاة الأفعال الاختيارية، فلا يثبتون ما جاء في هذه الآيات (١)، فإن المجيء، والإتيان من الأفعال الاختيارية التي تكون بمشيئته سبحانه، وعند هؤلاء النفاة إثبات ذلك يستلزم حلول الحوادث في ذات الرب سبحانه، وهو ممتنع عندهم. وحلول الحوادث من الألفاظ المحدثة التي لم يأتِ بها كتاب، ولا سنَّة، وهو لفظ مجمل يحتمل حقًّا، وباطلًا، فإن أريد بنفيه أنه تعالى لا يحلُّ في ذاته شيء من مخلوقاته؛ فهو حقٌّ، وإن أريد نفي قيام الأفعال الاختيارية بذاته؛ فهو باطلٌ؛ لأنه تعالى أخبر أنه ﴿فَعَّالٌ لِمَا يُرِيد (١٦)[البروج]، وأنه ﴿يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (١٨)[الحج]، وأخبر عن بعض


(١) مختصر الصواعق ٣/ ٨٤٧ - ٨٤٨ و ٨٥٦ - ٨٦٠.

<<  <   >  >>