وقوله تعالى: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ﴾ هذا نفي؛ أي: لا أحد يشفع عنده إلا بإذنه، وهذا يتضمَّن كمال ملكه، فَلِكَمَالِ ملكه لا أحد يشفع عنده إلَّا بإذنه، بخلاف المخلوقين، كالملوك، والكبراء الذين يشفع عندهم مقرَّبوهم بغير إذنهم، وينزلون على رغبتهم، وإن كانوا كارهين.
المقصود: أن هذه الآية اشتملت على العديد من أسماء الرب - كما تقدَّم - والعديد من صفاته، وقد اشتملت على نفي: ﴿لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ﴾، ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ﴾، ﴿وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ﴾، وهذا لكمال عظمته لا يحيط العباد به علمًا؛ كما قال تعالى: ﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا (١١٠)﴾ [طه]. ومن النفي الذي اشتملت عليه هذه الآية ﴿وَلَا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا﴾.
وقوله تعالى: ﴿وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ﴾، جمهور أهل السُّنة على أن الكرسي: موضع قدمي الرب (١).
وهو: مخلوق عظيم لا يقدر قدره إلا الله، والعرش أعظم منه، والكرسي قد وسع السموات، والأرض، فهو أعظم من السموات والأرض.
﴿وَلَا يَؤُودُهُ﴾: لا يشقُّ على الله تعالى، ولا يعجزه، ولا يكرثه، ولا يثقله حفظ هذه العوالم العلوية، والسفلية ﴿إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (٤١)﴾ [فاطر].
(١) انظر: أصول السنة لابن أبي زمنين ص ٩٦، والفتوى الحموية ص ٣٥١، وشرح الطحاوية لابن ابن أبي العز ٢/ ٣٦٩ - ٣٧١، و [ص ١٤٢] من هذا الكتاب.