للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

خير الماكرين، والعباد يمكرون ويكيدون، وليس المكرُ كالمكرِ، ولا الكيدُ كالكيدِ، ولكنه تعالى يمكر بأعدائه حقيقة، ويكيدهم حقيقة.

والمكرُ والكيدُ: تدبير خفي يتضمَّن إيصال الضرر من حيث يظن النفع. فالذي يريد أن يمكر يظهر المحبة، ويظهر الإحسان، وهو يتَّخذ ذلك وسيلة للإيقاع بخصمه وعدوه.

والمكر من الناس منه: المحمود والمذموم، فإذا كان على وجه العدل؛ فهو محمود، وإذا كان على وجه الظلم، والعدوان؛ فهو مذموم، فمن المحمود: المكر مجازاة، أو المكر بالكفار بالتدابير الخفية للإيقاع بهم، هذا كله من أنواع الجهاد في سبيل الله؛ ف «الحربُ خَدْعَة» (١). لكن المكرَ بالمؤمنين بغيرِ حقٍ؛ ظلمٌ وعدوانٌ.

أما مكر الله، فهو كله محمود، وعدل، وحكمة، هو تعالى يمكر بالكافرين مكرًا حقيقيًّا، ويدبر تدبيرًا خفيًّا، يوصل به العقاب من حيث يُظن الإنعام، وشاهد هذا قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُون (١٨٢)[الأعراف]، الاستدراج هذا هو المكر، وقال تعالى: ﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِين (١٧٨)[آل عمران]، إملاء الله للكافرين هو من مكره بهم، ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ﴾ مما يشتهونه، ويفرحون به ﴿حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً﴾ أليس هذا مكرًا؟


(١) رواه البخاري (٣٠٣٠)، ومسلم (١٧٣٩)، من حديث جابر .

<<  <   >  >>