وقوله تعالى: ﴿وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيد (٢٥٣)﴾ [البقرة] أخبر الله سبحانه عن نفسه بأنه مريد، وهو فعَّال لما يريد ﴿يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: ١٨٥]، و ﴿يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ [النساء: ٢٦]، ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلَامِ﴾ [الأنعام: ١٢٥]، فمن صفاته سبحانه الإرادة، فهو يريد، قال أهل العلم (١): الإرادة المضافة لله تعالى نوعان:
إرادة كونية، وإرادة شرعية؛ أما الإرادة الكونية، فهي بمعنى: المشيئة، ومن شواهدها قوله تعالى: ﴿فَعَّالٌ لِمَا يُرِيد (١٦)﴾ [البروج] هذه إرادة كونية، كل ما شاء سبحانه أن يفعله فعله؛ لأنه لا معارض له، ولا يستعصي عليه شيء.
ومن شواهد الإرادة الكونية قوله تعالى: ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ﴾ [الأنعام: ١٢٥] يعني من يشأ الله أن يهديه بشرح صدره للإسلام يوسع صدره، ويقذف النور فيه، ويجعل فيه القبول للحق، فيقبل الحق بانشراح، وسرور، وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ - نعوذ بالله - يجعل صدره ضيقًا حرجًا، ينفر من الحق ويشمئزُّ منه، ﴿وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُون (٤٥)﴾ [الزمر]، والله تعالى يَمُنُّ على من يشاء يهدي من يشاء بفضله،
(١) مجموع الفتاوى ٨/ ١٨٨، والفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ١١/ ٢٦٦، وشفاء العليل ص ٢٨٠.