يعني: أمِرُّوها كما جاءت مثبتين لما تدلُّ عليه مؤمنين بها غير محرِّفين لها، ولا مكيِّفين لما تدلُّ عليه.
فأهل السُّنة والجماعة يثبتون لله ﷾ صفة الرحمة على حقيقتها، وأما أهلُ الكلام أهلُ البدع، والضلال من الجهمية والمعتزلة والأشاعرة؛ فينفون حقيقية الرحمة (١)؛ لأنهم يقولون: إن الرحمة رِقَّة تعتري من قامتْ به الرحمةُ، وهذا لا يليق به سبحانه، فالرقة فيها ضَعْف.
وهذا خطأ؛ لأنه تفسير لرحمة المخلوق، فهي التي يمكن أن يعبَّر عنها بأنها رقَّة، وانفعال تعتري مَنْ قامت به، ولما توهَّموا من إثبات صفة الرحمة أنها مثل رحمة المخلوق نفوا حقيقة الرحمة، وفسَّروها أما بالإرادة؛ فقالوا: الرحمة من الله إرادة الإنعام، والإحسان على عباده، أو إن المراد بها: ما يخلقه سبحانه من النعم التي ينعم الله بها على عباده.
نعم هناك رحمة مخلوقة، لكنها غير صفة الرحمة التي هي صفة الرب تعالى، فالرحمة تضاف إلى الله صفة له، كما في هذه الآيات: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [الأعراف: ١٥٦] ﴿رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا﴾ [غافر: ٧]، ﴿فَاللّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِين (٦٤)﴾ [يوسف]، فهذه الرحمة هي صفة الرب قائمة به، كعلمه، وسمعه.
أما الرحمة المخلوقة فإضافتها إليه كإضافة المخلوق إلى خالقه كما في الحديث الصحيح عن النبي ﷺ قال: «إن لله مائة رحمة أنزل منها رحمة واحدة بين الجن، والإنس، والبهائم، والهوام، فبها يتعاطفون، وبها