فأهل السنة يثبتون القدر، ويؤمنون بكل مراتبه، ويؤمنون بالشرع، ويثبتون فعل العبد، فخالفوا بذلك الجبرية والقدرية، وكانوا وسطًا بين الطائفتين الضالتين المنحرفتين.
ثالثًا: أهل السنة وسط في باب وعيد الله بين المرجئة، والجهمية، وبين الوعيدية من الخوارج والمعتزلة.
فالخوارج والمعتزلة وعيدية، والجهمية مرجئة.
فأهل السنة في باب الوعيد - والمراد بالوعيد: الوعد بالعذاب والعقاب لأهل كبائر الذنوب من الموحدين، كما توعَّد الله القاتل، وآكل مال اليتيم، وآكل الربا، ومَن فر من الزحف، وقاذف المحصنات الغافلات المؤمنات، وما أشبه ذلك من نصوص الوعيد - وسط بين المرجئة الجهمية، والوعيدية من الخوارج والمعتزلة.
فالمرجئة نظرتهم إلى الوعيد ضعيفة؛ لأن الإيمان عندهم هو التصديق فقط، أو المعرفة فقط، ويقولون قولتهم المشهورة:«إنه لا يضر مع الإيمان ذنب كما لا ينفع مع الكفر طاعة»، إذًا؛ انتفى الوعيد، ليفعل المسلم ما يشاء، ولا يخاف! هذه نظرة المرجئة إلى وعيد الله نظرة تهوين وتهاون وغفلة وإعراض ولا يقيمون له وزنًا.
أما الوعيدية وهم الخوارج والمعتزلة فيقولون: إن الوعيد الذي توعد الله به العصاة حتمي، فمن مات مصرًّا على كبيرة، فلا بد له من دخول النار، وإذا دخل النار فلا بد له من الخلود فيها.