فمن الإيمان بالله الإيمان بعلوه تعالى، وفوقيته على خلقه، واستوائه على عرشه، وأنه تعالى مع ذلك هو مع عباده، لا يخفى عليه شيء من أمرهم، فهذا مما أخبر الله به في كتابه، وأخبر به رسوله ﷺ، وأجمع عليه سلف الأمة.
إذًا: هاتان الصفتان ثابتتان بالكتاب والسنة والإجماع، ولا منافاة بين هاتين الصفتين؛ فإنه تعالى مع علوه على خلقه واستوائه على عرشه هو مع عباده، مطلع، ورقيب، ومهيمن عليهم، لا يخفى عليه شيء من حالهم وأمرهم.
والمعية التي وصف الله بها نفسه ويجب إثباتها له لا تقتضي أن يكون الله مختلطًا بالخلق، وحالًّا فيهم، تعالى الله عن ذلك.
يقول الشيخ:«فإن هذا المعنى الباطل لا توجبه اللغة»: المعية لا تقتضي اختلاطًا، ولا حلولًا، فاللغة لا توجبه، وهو خلاف ما أجمع عليه سلف الأمة، وخلاف ما فطر الله عليه الخلق، فالذين لم يفهموا من معيته تعالى لعباده إلا أنه مختلط بهم حالٌّ فيهم حتى قالوا: إنه في كل مكان! هؤلاء خارجون عن موجب اللغة، مخالفون لما أجمع عليه سلف الأمة، ومخالفون لما تقتضيه الفطرة السوية.
ومعية المخلوق للمخلوق لا تقتضي اختلاطًا وحلولًا، ومثاله: هذا القمر، فوق حيث شاء ﷾ وبعيد عن الأرض، ويقال: إنه معنا مع المسافر وغير المسافر، وهو في مكانه، فإذا كانت معية المخلوق للمخلوق لا تقتضي اختلاطًا، فكيف بمعية الخالق للمخلوق؟!