لَا إلَى بَدَلٍ وَمَتَى فَعَلَهُمَا فَإِنَّمَا يَفْعَلُهُمَا عَلَى وَجْهِ الِابْتِدَاءِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمَا نَفْلٌ لِأَنَّ هَذِهِ صُورَةُ النَّفْلِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مُخَيَّرًا بَيْنَ فِعْلِهِ وَتَرْكِهِ وَإِذَا تَرَكَهُ تَرَكَهُ لَا إلَى بَدَلٍ وَاحْتَجَّ مَنْ خَيَّرَهُ بَيْنَ الْقَصْرِ وَالْإِتْمَامِ بِمَا
رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قصر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وَأَتَمَّ
وَهَذَا صَحِيحٌ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ قَصَرَ فِي الْفِعْلِ وَأَتَمَّ فِي الْحُكْمِ كَقَوْلِ عُمَرَ صَلَاةُ السَّفَرِ رَكْعَتَانِ تَمَامٌ غَيْرُ قَصْرٍ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ صلّى الله عليه وسلّم وَاحْتَجَّ أَيْضًا مَنْ قَالَ بِالتَّخْيِيرِ أَنَّهُ لَوْ دَخَلَ فِي صَلَاةِ مُقِيمٍ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ مُخَيَّرٌ فِي الْأَصْلِ وَهَذَا فَاسِدٌ لِأَنَّ الدُّخُولَ فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ يُغَيِّرُ الْفَرْضَ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَرْأَةَ وَالْعَبْدَ فَرْضُهُمَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعٌ وَلَوْ دَخَلَا فِي الْجُمُعَةِ صَلَّيَا رَكْعَتَيْنِ وَلَمْ يَدُلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُمَا مُخَيَّرَانِ قَبْلَ الدُّخُولِ بَيْنَ الْأَرْبَعِ وَالرَّكْعَتَيْنِ وَقَدْ اسْتَقْصَيْنَا الْكَلَامَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي مَوَاضِعَ مِنْ كُتُبِنَا وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي الْمُسَافِرِ يَدْخُلُ فِي صَلَاةِ الْمُقِيمِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا وَالشَّافِعِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ يُصَلِّي صَلَاةَ مُقِيمٍ وَإِنْ أَدْرَكَهُ فِي التَّشَهُّدِ وَهُوَ قول الثوري وقال مالك إذا لَمْ يُدْرِكْ مَعَهُ رَكْعَةً صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ
قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا وَفِي بَعْضِ الْأَلْفَاظِ وَمَا فَاتَكُمْ فاقضوا
فأمر النبي صلّى الله عليه وسلّم بِقَضَاءِ الْفَائِتِ مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَاَلَّذِي فَاتَهُ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ فَعَلَيْهِ قَضَاؤُهَا وَأَيْضًا قَدْ صَحَّ لَهُ الدُّخُولُ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ وَيَلْزَمُهُ سَهْوُهُ وَانْتَفَى عَنْهُ سَهْوَ نَفْسِهِ لِأَجْلِ إمَامِهِ كَذَلِكَ لَزِمَهُ حُكْمُ صَلَاتِهِ فِي الْإِتْمَامِ وَأَيْضًا لَوْ نَوَى الْمُسَافِرُ الْإِقَامَةَ فِي هَذِهِ الْحَالِ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ كَذَلِكَ دُخُولُهُ مَعَ الْإِمَامِ وَيَكُونُ دُخُولُهُ مَعَهُ فِي التَّشَهُّدِ كَدُخُولِهِ فِي أَوَّلِهَا كَمَا كَانَتْ نِيَّةُ الْإِقَامَةِ فِي التَّشَهُّدِ كَهِيَ فِي أولها والله أعلم.
فَصْلٌ قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَجَمِيعُ مَا قَدَّمْنَا فِي قَصْرِ الصَّلَاةِ لِلْمُسَافِرِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ صَلَاةَ سَائِرِ الْمُسَافِرِينَ رَكْعَتَانِ فِي أَيِّ شَيْءٍ كَانَ سَفَرُهُمْ مِنْ تِجَارَةٍ أَوْ غَيْرِهَا وَذَلِكَ لِأَنَّ الْآثَارَ الْمَرْوِيَّةَ فِيهِ لَمْ تُفَرِّقْ بَيْنَ شَيْءٍ مِنْ الْأَسْفَارِ
وَقَدْ رَوَى الْأَعْمَشُ عَنْ إبراهيم أن رجلا كان يتجر إلى الحرين فَقَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمْ أُصَلِّي فَقَالَ رَكْعَتَيْنِ
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عمر أنهما خرجا إلى الطائف فقصر الصَّلَاةَ وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ لَا تُقْصَرُ الصَّلَاةُ إلَّا فِي حَجٍّ أَوْ جِهَادٍ وَعَنْ عَطَاءٍ قَالَ لَا أَرَى أَنْ يَقْصُرَ الصَّلَاةَ إلَّا مَنْ كَانَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ قِيلَ لَمْ يَقْصُرْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا فِي حَجٍّ أَوْ جِهَادٍ قِيلَ لَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَافِرْ إلَّا فِي حَجٍّ أَوْ جِهَادٍ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقَصْرَ مَخْصُوصٌ بِالْحَجِّ وَالْجِهَادِ وَقَوْلُ عُمَرَ صَلَاةُ السَّفَرِ رَكْعَتَانِ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute