للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ وَلَا يُوجِبُ ذَلِكَ الِاقْتِصَارَ بِالْإِبَاحَةِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ دُونَ غَيْرِهِمْ بَلْ الْإِبَاحَةُ عَامَّةٌ لِجَمِيعِ الْمُكَلَّفِينَ كُفَّارًا كَانُوا أَوْ مُؤْمِنِينَ كَمَا قَالَ تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها وَهُوَ حُكْمٌ عَامٌّ فِي الْمُؤْمِنِينَ وَالْكُفَّارِ مَعَ وُرُودِ اللَّفْظِ خَاصًّا بِخِطَابِ الْمُؤْمِنِينَ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا أَبَاحَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِلْمُؤْمِنِينَ فَهُوَ مُبَاحٌ لِسَائِرِ الْمُكَلَّفِينَ كَمَا أَنَّ كُلَّ مَا أَوْجَبَهُ وَفَرَضَهُ فَهُوَ فَرْضٌ عَلَى جَمِيعِ الْمُكَلَّفِينَ إلَّا أَنْ يَخُصَّ بَعْضَهُمْ دَلِيلٌ وَكَذَلِكَ قُلْنَا إنَّ الكفار مستحقون العقاب عَلَى تَرْكِ الشَّرَائِعِ كَمَا يَسْتَحِقُّونَ عَلَى تَرْكِ الْإِيمَانِ فَإِنْ قِيلَ إذَا كَانَ ذَبْحُ الْبَهَائِمِ مَحْظُورًا إلَّا بَعْدَ وُرُودِ السَّمْعِ بِهِ فَمَنْ لَمْ يَعْتَقِدْ نُبُوَّةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتِبَاحَتُهُ مِنْ طَرِيقِ الشَّرْعِ فَحُكْمُهُ فِي حَظْرِهِ عَلَيْهِ بَاقٍ عَلَى الْأَصْلِ وَقَائِلُ هَذَا الْقَوْلِ يَقُولُ إنَّ ذَبْحَ الْبَهَائِمِ مَحْظُورٌ عَلَى الْكُفَّارِ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْهُمْ وَغَيْرِهِمْ وَهُمْ عُصَاةٌ فِي ذَبْحِهَا وَإِنْ كَانَ أَكْلُ مَا ذَبَحَهُ أهل الكتاب مباحا لنا وزعم هذا القول أَنَّ لِلْمُلْحِدِ أَنْ يَأْكُلَ بَعْدَ الذَّبْحِ وَلَيس لَهُ أَنْ يَذْبَحَ وَلَيْسَ هَذَا عِنْدَ سَائِرِ أَهْلِ الْعِلْمِ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ عُصَاةً بِذَبْحِهِمْ لِأَجْلِ دِيَانَاتِهِمْ لَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ ذَبَائِحُهُمْ غَيْرَ مُذَكَّاةٍ مِثْلُ الْمَجُوسِيِّ لَمَّا كَانَ مَمْنُوعًا مِنْ الذَّبْحِ لِأَجْلِ اعْتِقَادِهِ لَمْ يَكُنْ ذَبْحُهُ ذَكَاةً وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْكِتَابِيَّ غَيْرُ عَاصٍ فِي ذَبْحِ الْبَهَائِمِ وَأَنَّهُ مُبَاحٌ لَهُ كَهُوَ لَنَا وَأَمَّا قَوْلُهُ إنَّهُ إذَا لَمْ يَعْتَقِدْ صِحَّةِ نُبُوَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتِبَاحَتُهُ مِنْ طَرِيقِ الشَّرْعِ فَحُكْمُ حَظْرِ الذَّبْحِ قَائِمٌ عَلَيْهِ فَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى قَدْ قَامَتْ عَلَيْهِمْ حُجَّةُ السَّمْعِ بِكُتُبِ الْأَنْبِيَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ فِي إبَاحَةِ ذَبْحِ الْبَهَائِمِ وَأَيْضًا فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ ذَكَاتِهِ لِأَنَّ رَجُلًا لَوْ تَرَكَ التَّسْمِيَةَ عَلَى الذَّبِيحَةِ عَامِدًا لَكَانَ عِنْدَنَا عَاصِيًا بِذَلِكَ وَكَانَ لِمَنْ يَعْتَقِدُ جَوَازَ تَرْكِ التَّسْمِيَةِ عَلَيْهَا أَنْ يَأْكُلَهَا وَلَمْ يَكُنْ كَوْنُ الذَّابِحِ عَاصِيًا مَانِعًا صِحَّةَ ذَكَاتِهِ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ وَمُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ والسدى إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ يَعْنِي قَوْلَهُ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَسَائِرُ مَا حُرِّمَ فِي الْقُرْآنِ وَقَالَ آخَرُونَ إلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ مِنْ أَكْلِ الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ فَكَأَنَّهُ قَالَ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ إلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي نَسَقِ هَذَا الْخِطَابِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ يَحْتَمِلُ قَوْلُهُ إِلَّا مَا يُتْلى عَلَيْكُمْ مما قد حصل تحريمه مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ

فَإِذَا أُرِيدَ بِهِ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ اللَّفْظُ مُجْمَلًا لِأَنَّ مَا قَدْ حَصَلَ تَحْرِيمُهُ قَبْلَ ذَلِكَ هُوَ معلوم فيكون قوله «١٩- أحكام لث»

<<  <  ج: ص:  >  >>