للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَعْبُدُونَهَا وَيُقَرِّبُونَ الذَّبَائِحَ لَهَا فَنَهَى اللَّهُ عَنْ أَكْلِ مَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ لِأَنَّهُ مِمَّا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ النُّصُبِ وَالصَّنَمِ أَنَّ الصَّنَمَ يُصَوَّرُ وَيُنْقَشُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ النُّصُبُ لِأَنَّ النُّصُبَ حِجَارَةٌ مَنْصُوبَةٌ وَالْوَثَنُ كَالنُّصُبِ سَوَاءٌ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَثَنَ اسْمٌ يَقَعُ عَلَى مَا لَيْسَ بِمُصَوَّرٍ

أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ حِينَ جَاءَهُ وَفِي عُنُقِهِ صَلِيبٌ أَلْقِ هَذَا الْوَثَنَ مِنْ عُنُقِك

فَسَمَّى الصَّلِيبَ وَثَنًا فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ النُّصُبَ وَالْوَثَنَ اسْمٌ لِمَا نُصِبَ لِلْعِبَادَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُصَوَّرًا وَلَا مَنْقُوشًا وَهَذِهِ ذَبَائِحُ قَدْ كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَأْكُلُونَهَا فَحَرَّمَهَا اللَّهُ تَعَالَى مَعَ مَا حَرَّمَ مِنْ الْمَيْتَةِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَمَا ذُكِرَ فِي الْآيَةِ مِمَّا كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَسْتَبِيحُونَهُ وَقَدْ قِيلَ إنَّهَا الْمُرَادَةُ بِالِاسْتِثْنَاءِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْله تَعَالَى أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلَّا مَا يُتْلى عَلَيْكُمْ قوله تعالى وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ قِيلَ فِي الِاسْتِقْسَامِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا طَلَبُ عِلْمِ مَا قُسِمَ لَهُ بِالْأَزْلَامِ وَالثَّانِي إلْزَامُ أَنْفُسِهِمْ بِمَا تَأْمُرُهُمْ بِهِ الْقِدَاحُ كَقَسَمِ الْيَمِينِ وَالِاسْتِقْسَامُ بِالْأَزْلَامِ أَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا إذَا أَرَادَ أَحَدُهُمْ سَفَرًا أَوْ غَزْوًا أَوْ تِجَارَةً أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْحَاجَاتِ أَجَالَ الْقِدَاحَ وَهِيَ الْأَزْلَامُ وَهِيَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ مِنْهَا مَا كُتِبَ عَلَيْهِ نَهَانِي رَبِّي وَمِنْهَا غُفْلٌ لَا كِتَابَةَ عَلَيْهِ يُسَمَّى الْمَنِيحُ فَإِذَا خَرَجَ أَمَرَنِي رَبِّي مَضَى فِي الْحَاجَةِ وَإِذَا خَرَجَ نَهَانِي رَبِّي قَعَدَ عَنْهَا وَإِذَا خَرَجَ الْغُفْلُ أَجَالَهَا ثَانِيَةً قَالَ الْحَسَنُ كَانُوا يَعْمِدُونَ إلَى ثَلَاثَةِ قِدَاحٍ نَحْوِ مَا وَصَفْنَا وَكَذَلِكَ قَالَ سَائِرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالتَّأْوِيلِ وَوَاحِدُ الْأَزْلَامِ زَلَمٌ وَهِيَ الْقِدَاحُ فَحَظَرَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ وَكَانَ مَنْ فِعْلِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ وَجَعَلَهُ فِسْقًا بِقَوْلِهِ ذلِكُمْ فِسْقٌ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ الْقُرْعَةِ فِي عِتْقِ الْعَبِيدِ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى ذَلِكَ بِعَيْنِهِ إذْ كَانَ فِيهِ اتِّبَاعُ مَا أَخْرَجْته الْقُرْعَةُ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْقَاقٍ لِأَنَّ مَنْ أَعْتَقَ عَبْدَيْهِ أَوْ عَبِيدًا لَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ وَلَمْ يَخْرُجُوا مِنْ الثُّلُثِ فَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّهُمْ مُتَسَاوُونَ فِي اسْتِحْقَاقِ الْحُرِّيَّةِ فَفِي اسْتِعْمَالِ الْقُرْعَةِ إثْبَاتُ حُرِّيَّةٍ غَيْرِ مُسْتَحَقَّةٍ وَحِرْمَانُ مَنْ هُوَ مُسَاوٍ لَهُ فِيهَا كَمَا يَتْبَعُ صَاحِبُ الْأَزْلَامِ مَا يُخْرِجُهُ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ لَا سَبَبَ لَهُ غَيْرَهُ فَإِنْ قِيلَ قَدْ جَازَتْ الْقُرْعَةُ فِي قِسْمَةِ الْغَنَائِمِ وَغَيْرِهَا وفي إخراج النساء قيل إنَّمَا الْقُرْعَةُ فِيهَا لِتَطْيِيبِ نُفُوسِهِمْ وَبَرَاءَةً لِلتُّهْمَةِ مِنْ إيثَارِ بَعْضِهِمْ بِهَا وَلَوْ اصْطَلَحُوا عَلَى ذَلِكَ جَازَ مِنْ غَيْرِ قُرْعَةٍ وَأَمَّا الْحُرِّيَّةُ الْوَاقِعَةُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَغَيْرُ جَائِزٍ نَقْلُهَا عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ وَفِي اسْتِعْمَالِ الْقُرْعَةِ نَقْلُ الحرية عمن وقعت عليه وإخراجه مِنْهَا مَعَ مُسَاوَاتِهِ لِغَيْرِهِ فِيهَا قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ قال ابن

<<  <  ج: ص:  >  >>