للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْإِحْدَاثِ لِلصَّلَاةِ وَكَانَتْ الصَّلَاةُ اسْمًا لِلْجِنْسِ يَتَنَاوَلُ سَائِرَهَا مِنْ الْمَفْرُوضَاتِ وَالنَّوَافِلِ اقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ مِنْ شَرَائِطِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ الطَّهَارَةُ أَيَّ صلاة إذْ لَمْ تُفَرِّقَ الْآيَةُ بَيْنَ شَيْءٍ مِنْهَا وَقَدْ أَكَّدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ

بِقَوْلِهِ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طهور

قوله تعالى فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ يَقْتَضِي إيجَابَ الْغَسْلِ وَالْغَسْلُ اسْمٌ لِإِمْرَارِ الْمَاءِ عَلَى الْمَوْضِعِ إذَا لَمْ تَكُنْ هُنَاكَ نَجَاسَةٌ وَإِذَا كَانَ هُنَاكَ نَجَاسَةٌ فَغُسْلُهَا إزَالَتُهَا بِإِمْرَارِ الْمَاءِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ إنَّمَا الْمَقْصِدُ فِيهِ إمْرَارُ الْمَاءِ عَلَى الْمَوْضِعِ إذْ لَيْسَ هُنَاكَ نَجَاسَةٌ مَشْرُوطٌ إزَالَتُهَا فَإِذَا ليس عليه ذلك الْمَوْضِعَ بِيَدِهِ وَإِنَّمَا عَلَيْهِ إمْرَارُ الْمَاءِ حَتَّى يَجْرِيَ عَلَى الْمَوْضِعِ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ فَقَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عليه إمرار الماء وذلك الْمَوْضِعِ بِيَدِهِ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ غُسْلًا وَقَالَ آخَرُونَ وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا وَعَامَّةِ الْفُقَهَاءِ عَلَيْهِ إجْرَاءُ الْمَاءِ عَلَيْهِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ دَلْكُهُ بِيَدِهِ وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إنْ مَسَحَ الْمَوْضِعَ بِالْمَاءِ كَمَا يَمْسَحُ بِالدُّهْنِ أَجْزَأَهُ والدليل على بطلان قول موجبى ذلك الْمَوْضِعِ أَنَّ اسْمَ الْغَسْلِ يَقَعُ عَلَى إجْرَاءِ الْمَاءِ عَلَى الْمَوْضِعِ مِنْ غَيْرِ دَلْكٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ فَوَالَى بَيْنَ صَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهِ حَتَّى أزالها سمى بِذَلِكَ غَاسِلًا وَإِنْ لَمْ يَدْلُكْهُ بِيَدِهِ فَلَمَّا كَانَ الِاسْمُ يَقَعُ عَلَيْهِ مَعَ عَدَمِ الدَّلْكِ لِأَجْلِ إمْرَارِ الْمَاءِ عَلَيْهِ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى فَاغْسِلُوا فَهُوَ مَتَى أَجْرَى الْمَاءَ عَلَى الْمَوْضِعِ فَقَدْ فَعَلَ مُقْتَضَى الْآيَةِ وَمُوجِبَهَا فَمَنْ شَرَطَ فِيهِ ذلك الْمَوْضِعِ بِيَدِهِ فَقَدْ زَادَ فِيهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ وَغَيْرُ جَائِزٍ الزِّيَادَةُ فِي النَّصِّ إلَّا بِمِثْلِ مَا يَجُوزُ بِهِ النَّسْخُ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ شَيْءٌ يُزَالُ بِالدَّلْكِ لَمْ يَكُنْ لِدَلْكِ الْمَوْضِعِ وَإِمْسَاسِهِ بِيَدِهِ فَائِدَةٌ وَلَا حُكْمٌ فَلَمْ يَخْتَلِفْ حُكْمُهُ إذَا دَلَكَهُ بِيَدِهِ أَوْ أَمَرَّ الْمَاءَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ دلك وأيضا فليس لذلك الْمَوْضِعِ بِيَدِهِ حُكْمٌ فِي الطَّهَارَةِ فِي سَائِرِ الْأُصُولِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَتَعَلَّقَ بِهِ فِيمَا اُخْتُلِفَ فِيهِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ إذَا لَمْ يَكُنْ الْغَسْلُ مَأْمُورًا بِهِ لِإِزَالَةِ شَيْءٍ هُنَاكَ عَلِمْنَا أَنَّهُ عِبَادَةٌ فَمِنْ حَيْثُ شَرَطَ فِيهِ إمْرَارَ الْمَاءِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ دَلْكُهُ بِيَدِهِ شَرْطًا وَإِلَّا فَلَا مَعْنَى لِإِمْرَارِ الْمَاءِ وَإِجْرَائِهِ عَلَيْهِ قِيلَ لَهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الْأُصُولِ لِإِمْرَارِ الْمَاءِ عَلَى الْمَوْضِعِ حُكْمٌ فِي غُسْلِ النَّجَاسَاتِ وَلَمْ يَثْبُتْ لِدَلْكِ الْمَوْضِعِ حُكْمٌ بَلْ حُكْمُهُ سَاقِطٌ فِي إزَالَةِ الْأَنْجَاسِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ حُكْمٌ لَكَانَ اعْتِبَارُ الدَّلْكِ فِيهَا أَوْلَى فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ حُكْمُهُ فِي طَهَارَةِ الْحَدَثِ وَأَمَّا مَنْ أَجَازَ مَسْحَ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ الْمَأْمُورِ بِغَسْلِهَا فَإِنَّ قَوْلَهُ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ الآية فإن الله

<<  <  ج: ص:  >  >>