احْتَجُّوا بِأَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِي سُجُودِهِ سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ
فَجَعَلَ السَّمْعَ مِنْ الْوَجْهِ قِيلَ لَهُ لَمْ يُرَدْ بِالْوَجْهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ الْعُضْوَ الْمُسَمَّى بِذَلِكَ وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ أَنَّ جُمْلَةَ الْإِنْسَانِ هُوَ السَّاجِدُ لِلَّهِ لَا الْوَجْهُ وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ يَعْنِي بِهِ ذَاتَه وَأَيْضًا فَإِنَّهُ ذَكَرَ السَّمْعَ وَلَيْسَ الْأُذُنَانِ هُمَا السَّمْعُ فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى حُكْمِ الْأُذُنَيْنِ وَقَدْ قَالَ الشَّاعِرُ:
إلَى هَامَةٍ قَدْ وَقَرَ الضَّرْبُ سَمْعَهَا ... وَلَيْسَتْ كَأُخْرَى سَمْعُهَا لَمْ يُوقَرْ
فَأَضَافَ السَّمْعَ إلَى الْهَامَةِ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا تُمْسَحَانِ مَعَ الرَّأْسِ عَلَى وَجْهِ التَّبَعِ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْأُصُولِ مَسْحٌ مَسْنُونٌ إلَّا عَلَى وَجْهِ التَّبَعِ لِلْمَفْرُوضِ مِنْهُ أَلَا تَرَى أَنَّ مِنْ سُنَّةِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ أَنْ يَمْسَحَ مِنْ أَطْرَافِ الْأَصَابِعِ إلَى أَصْلِ السَّاقِ وَالْمَفْرُوضُ مِنْهُ بَعْضُهُ أَمَّا عَلَى قَوْلِنَا فَمِقْدَارُ ثَلَاثَةِ أَصَابِعَ وَعَلَى قَوْلِ الْمُخَالِفِ مِقْدَارُ مَا يُسَمَّى مَسْحًا
وَقَدْ رُوِيَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ خَيْرٍ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ مَسَحَ وأسه مُقَدَّمَهُ وَمُؤَخَّرَهُ ثُمَّ قَالَ هَذَا وُضُوءُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَرُوِيَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ الْمَازِنِيُّ وَالْمِقْدَامُ بْنُ مَعْدِي كَرِبَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ أَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ ثُمَّ ذَهَبَ بِهِمَا إلَى قَفَاهُ ثُمَّ رَدَّهُمَا حَتَّى رَجَعَ إلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ
وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْقَفَا لَيْسَ بِمَوْضِعٍ مَفْرُوضِ الْمَسْحِ لِأَنَّ مَسْحَ مَا تَحْتَ الْأُذُنَيْنِ لَا يُجْزِي مِنْ الْمَفْرُوضِ وَإِنَّمَا مَسْحُ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ عَلَى جِهَةِ التَّبَعِ لِلْمَفْرُوضِ فَإِنْ قِيلَ لَمَّا لَمْ تَكُنْ الْأُذُنَانِ مَوْضِعَ فَرْضِ الْمَسْحِ أَشْبَهَتَا دَاخِلَ الْفَمِ وَالْأَنْفِ فَيُجَدِّدُ لَهُمَا مَاءً جَدِيدًا كَالْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ فَيَكُونُ سُنَّةً عَلَى حِيَالِهَا قِيلَ لَهُ هَذَا غَلَطٌ لِأَنَّ الْقَفَا لَيْسَ بِمَوْضِعٍ لِفَرْضِ الْمَسْحِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ مَسَحَهُ مَعَ الرَّأْسِ عَلَى وَجْهِ التَّبَعِ فَكَذَلِكَ الْأُذُنَانِ وَأَمَّا الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ فَكَانَا سُنَّةً عَلَى حِيَالِهِمَا مِنْ قِبَلِ أَنَّ دَاخِلَ الْفَمِ وَالْأَنْفِ لَيْسَا مِنْ الْوَجْهِ بِحَالٍ فَلَمْ يَكُونَا تَابِعَيْنِ لَهُ فَأَخَذَ لَهُمَا مَاءً جَدِيدًا وَالْأُذُنَانِ وَالْقَفَا جَمِيعًا مِنْ الرَّأْسِ وَإِنْ لَمْ يَكُونَا مَوْضِعَ الْفَرْضِ فَصَارَا تَابِعَيْنِ لَهُ فَإِنْ قِيلَ لَوْ كَانَتْ الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْسِ لَحَلَّ بِحَلْقِهِمَا مِنْ الْإِحْرَامِ وَلَكَانَ حَلْقُهُمَا مَسْنُونًا مَعَ الرَّأْسِ إذَا أَرَادَ الْإِحْلَالَ مِنْ إحْرَامِهِ قِيلَ لَهُ لَمْ يُسَنَّ حَلْقُهُمَا وَلَا حَلَّ بِحَلْقِهِمَا لِأَنَّ فِي الْعَادَةِ أَنْ لَا شَعْرَ عَلَيْهِمَا وَإِنَّمَا الْحَلْقُ مَسْنُونٌ فِي الرَّأْسِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَكُونُ عَلَيْهِ الشَّعْرُ فِي الْعَادَةِ فَلَمَّا كَانَ وُجُودُ الشَّعْرِ عَلَى الْأُذُنَيْنِ شَاذًّا نَادِرًا أَسْقَطَ حُكْمَهُمَا فِي الْحَلْقِ وَلَمْ يُسْقَطْ فِي المسح وأيضا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute