للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى غَيْرِهِ فَقَوْلُهُ الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْسِ حَقِيقَتُهُ أَنَّهُمَا بَعْضُ الرَّأْسِ فَوَاجِبٌ إذَا كَانَ كَذَلِكَ أَنْ تُمْسَحَا مَعَهُ بِمَاءٍ وَاحِدٍ كَمَا يُمْسَحُ سَائِرُ أَبْعَاضِ الرَّأْسِ

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ إذَا مَسَحَ الْمُتَوَضِّئُ بِرَأْسِهِ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ رَأْسِهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أُذُنَيْهِ وَإِذَا غَسَلَ وَجْهَهُ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ تَحْتِ أَشْفَارِ عَيْنَيْهِ فَأَضَافَ الْأُذُنَيْنِ إلَى الرَّأْسِ كَمَا جَعَلَ الْعَيْنَيْنِ مِنْ الْوَجْهِ

فَإِنْ قِيلَ

رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ عَشْرٌ مِنْ الْفِطْرَةِ خَمْسٌ فِي الرَّأْسِ فَذَكَرَ مِنْهَا الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ

وَلَمْ يَدُلَّ ذَلِكَ عَلَى دُخُولِهِمَا فِي حُكْمِ الرَّأْسِ كَذَلِكَ

قَوْلُهُ الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْسِ

قِيلَ لَهُ لَمْ يَقُلْ الْفَمَ وَالْأَنْفَ مِنْ الرَّأْسِ وَإِنَّمَا

قَالَ خَمْسٌ فِي الرَّأْسِ

فَوَصَفَ مَا يُفْعَلُ مِنْ الْخَمْسِ فِي الرَّأْسِ وَنَحْنُ نَقُولُ إنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ هُوَ الرَّأْسُ وَنَقُولُ الْعَيْنَانِ فِي الرَّأْسِ وَكَذَلِكَ الْفَمُ وَالْأَنْفُ قال الله تعالى لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ وَالْمُرَادُ هَذِهِ الْجُمْلَةُ عَلَى أَنَّ مَا ذَكَرْته هُوَ لَنَا لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا سَمَّى مَا تَشْتَمِلُ عَلَيْهِ هَذِهِ الْجُمْلَةُ رَأْسًا فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْسِ لِاشْتِمَالِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ عَلَيْهِمَا وَأَنْ لَا يَخْرُجَ شَيْءٌ مِنْهَا إلَّا بِدَلَالَةٍ وَلَمَّا قَالَ تعالى وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَكَانَ مَعْلُومًا أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ الْوَجْهَ وَإِنْ كَانَ فِي الرَّأْسِ وَإِنَّمَا أَرَادَ مَا عَلَا مِنْهُ مِمَّا فَوْقَ الْأُذُنَيْنِ ثُمَّ

قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْسِ

كَانَ ذَلِكَ إخْبَارًا مِنْهُ بِأَنَّهُمَا مِنْ الرَّأْسِ الْمَمْسُوحِ فَإِنْ قِيلَ

رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ لَهُمَا مَاءً جَدِيدًا

وَرَوَتْ الرُّبَيِّعُ بِنْتُ مُعَوِّذٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ بِرَأْسِهِ وَصُدْغَيْهِ ثُمَّ مَسَحَ أُذُنَيْهِ

وَهَذَا يَقْتَضِي تَجْدِيدَ الْمَاءِ لَهُمَا قِيلَ لَهُ أَمَّا قَوْلُك إنَّهُ أَخَذَ لَهُمَا مَاءً جَدِيدًا فَلَا نَعْلَمُهُ رُوِيَ مِنْ جِهَةٍ يُعْتَمَدُ عَلَيْهَا وَلَوْ صَحَّ لَمْ يَدُلَّ عَلَى قَوْلِك لِأَنَّهُمَا إذَا كَانَتَا مِنْ الرَّأْسِ فَالْمَاءُ الجديد الذي أخذ لَهُمَا هُوَ الَّذِي أَخَذَهُ لِجَمِيعِ الرَّأْسِ وَلَا فرق بين قول القائل أَخَذَ لِلْأُذُنَيْنِ مَاءً جَدِيدًا وَبَيْنَ قَوْلِهِ أَخَذَ لِلرَّأْسِ مَاءً جَدِيدًا إذَا كَانَتَا مِنْ الرَّأْسِ والماء المأخوذ للرأس هو للأذنيين وَقَوْلُ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ مَسَحَ بِرَأْسِهِ ثُمَّ مَسَحَ أُذُنَيْهِ لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى تَجْدِيدِ الماء للأذنيين لِأَنَّ ذِكْرَ الْمَسْحِ لَا يَقْتَضِي تَجْدِيدَ الْمَاءِ لَهُمَا لِأَنَّ اسْمَ الْمَسْحِ يَقَعُ عَلَى هَذَا الْفِعْلِ مَعَ عَدَمِ الْمَاءِ وَهُوَ مِثْلُ مَا رُوِيَ أَنَّهُ مَسَحَ رَأْسَهُ مَرَّتَيْنِ بِمَاءٍ وَاحِدٍ أَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّهُ أَقْبَلَ بهما وأدبر ولم يوجد ذَلِكَ تَجْدِيدَ الْمَاءِ كَذَلِكَ الْأُذُنَانِ إذْ غَيْرُ مُمْكِنٍ مَسْحُ الرَّأْسِ مَعَ الْأُذُنَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ كَمَا لَا يُمْكِنُ مَسْحُ مُقَدَّمِ الرَّأْسِ وَمُؤَخَّرِهِ فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ فَلَا دَلَالَةَ فِي ذِكْرِ مَسْحِ الْأُذُنَيْنِ بَعْدَ مَسْحِ الرَّأْسِ عَلَى تَجْدِيدِ الْمَاءِ لَهُمَا دُونَ الرَّأْسِ فَإِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>