للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله تعالى لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وقَوْله تَعَالَى وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ فحثنا عَلَى التَّفَكُّرِ فِيهِ وَحَرَّضَنَا عَلَى الِاسْتِنْبَاطِ وَالتَّدَبُّرِ وَأَمَرَنَا بِالِاعْتِبَارِ لِنَتَسَابَقَ إلَى إدْرَاكِ أَحْكَامِهِ وَنَنَالَ درجة المستنبطين والعلماء الناظرين ودل بما نزل مِنْ الْآيِ الْمُحْتَمِلَةِ لِلْوُجُوهِ مِنْ الْأَحْكَامِ الَّتِي طَرِيقُ اسْتِدْرَاكِ مَعَانِيهَا السَّمْعُ عَلَى تَسْوِيغِ الِاجْتِهَادِ فِي طَلَبِهَا وَأَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ مُكَلَّفٌ بِالْقَوْلِ بِمَا أَدَّاهُ إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ وَاسْتَقَرَّ عَلَيْهِ رَأْيُهُ وَنَظَرُهُ وَأَنَّ مُرَادَ اللَّهِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ اعْتِقَادُ مَا أَدَّاهُ إلَيْهِ نَظَرُهُ إذْ لَمْ يَكُنْ لَنَا سَبِيلٌ إلَى اسْتِدْرَاكِهِ إلَّا مِنْ طَرِيقِ السَّمْعِ وَكَانَ جَائِزًا تَعَبَّدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ بِمِثْلِ مَا حَصَلَ عَلَيْهِ اجْتِهَادُهُ فَوَجَبَ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مِنْ حَيْثُ جَعْلِ لَفْظِ الْكِتَابِ مُحْتَمِلًا لِلْمَعَانِي أَنْ يَكُونَ مُشَرِّعًا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ عِنْدَهُ فَحْوَى الْآيَةِ وَمَا فِي مَضْمُونِ الْخِطَابِ وَمُقْتَضَاهُ مِنْ وُجُوهِ الِاحْتِمَالِ فَانْظُرْ عَلَى كَمْ اشْتَمَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ بِفَحْوَاهَا وَمُقْتَضَاهَا مِنْ لَطِيفِ الْمَعَانِي وكثيرة الْفَوَائِدِ وَضُرُوبِ مَا أَدَّتْ إلَيْهِ مِنْ وُجُوهِ الِاسْتِنْبَاطِ وَهَذِهِ إحْدَى دَلَائِلِ إعْجَازِ الْقُرْآنِ إذْ غَيْرُ جَائِزٍ وُجُودُ مِثْلِهِ فِي كَلَامِ الْبَشَرِ وأنا ذاكرنا مُجْمَلًا مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مُفَصَّلًا لِيَكُونَ أَقْرَبَ إلَى فَهْمِ قَارِئِهِ إذَا كَانَ مَجْمُوعًا مَحْصُورًا وَاَللَّهُ تَعَالَى نَسْأَلُ التَّوْفِيقَ فَأَوَّلُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ حُكْمِ قَوْله تَعَالَى إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ مَا احْتَمَلَهُ اللَّفْظُ مِنْ إرَادَةِ الْقِيَامِ وَالثَّانِي مَا اقْتَضَتْهُ حَقِيقَةُ اللَّفْظِ مِنْ إيجَابِ الْغَسْلِ بَعْدَ الْقِيَامِ وَالثَّالِثُ مَا احْتَمَلَهُ مِنْ الْقِيَامِ مِنْ النَّوْمِ لِأَنَّ الْآيَةَ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ نَزَلَتْ وَالرَّابِعُ اقْتِضَاؤُهَا إيجَابَ الْوُضُوءِ مِنْ النَّوْمِ الْمُعْتَادِ الَّذِي يَصِحُّ إطْلَاقُ الْقَوْلِ فِيهِ بِأَنَّهُ قَائِمٌ مِنْ النَّوْمِ وَالْخَامِسُ احْتِمَالُهَا لِإِيجَابِ الْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَاحْتِمَالُهَا لِطَهَارَةٍ وَاحِدَةٍ لِصَلَوَاتٍ كَثِيرَةٍ مَا لَمْ يُحْدِثْ وَالسَّادِسُ احْتِمَالُهَا إذَا أَرَدْتُمْ الْقِيَامَ وَأَنْتُمْ مُحْدِثُونَ وَإِيجَابُ الطَّهَارَةِ مِنْ الْإِحْدَاثِ وَالسَّابِعُ دَلَالَتُهَا عَلَى جَوَازِ الْوُضُوءِ بِإِمْرَارِ الْمَاءِ على الموضع من غير ذلك وَاحْتِمَالُهَا لِقَوْلِ مَنْ أَوْجَبَ الدَّلْكَ وَالثَّامِنُ إيجَابُهَا بِظَاهِرِهَا إجْرَاءَ الْمَاءِ عَلَى الْأَعْضَاءِ وَأَنَّ مَسْحَهَا غَيْرُ جَائِزٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَبُطْلَانُ قَوْلِ مَنْ أَجَازَ الْمَسْحَ فِي جَمِيعِ الْأَعْضَاءِ وَالتَّاسِعُ دَلَالَتُهَا عَلَى جَوَازِ الْوُضُوءِ بِغَيْرِ نِيَّةٍ وَالْعَاشِرُ دَلَالَتُهَا عَلَى وُجُوبِ الِاقْتِصَارِ بِالْفَرْضِ عَلَى مَا واجهنا من المتوضئ بقوله تعالى وُجُوهَكُمْ إذْ كَانَ الْوَجْهُ مَا وَاجَهَك وَأَنَّ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ غَيْرُ وَاجِبَيْنِ فِي الْوُضُوءِ وَالْحَادِي عَشَرَ دَلَالَتُهَا عَلَى أَنَّ تَخْلِيلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>